مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خبيرٌ سويسري: “الإنتحار مشكلة تمسّنا جميعاً”

في سويسرا، يُزهق الإنتحار أرواحاً أكثر مما تفعله حوادث السيارات والإصابة بمرض الإيدز والمخدرات مجتمعة. فمن هم هؤلاء الذين يريدون وضع نهاية لحياتهم؟ وكيف يُمكن مساعدتهم؟ أجرت swissinfo.ch حوراً مع خبيرين في المرصد الروماندي (أي الخاص بالمناطق المتحدثة بالفرنسية غرب البلاد) لمحاولات الإنتحار.


إمرأة تنزل درجا دائريا
تُشير المعطيات الحالية إلى أن سويسرا تشهد سنوياً ما بين 10000 إلى 15000 محاولة انتحار. Keystone

“خذ من وقتك دقيقة، وغيّر حياة”: كان هذا الشعار المُعتمد هذا العام في اليوم العالمي لمكافحة الإنتحاررابط خارجي (يُوافق تاريخ العاشر من سبتمبر)، الذي سعى إلى التذكير بأن لفتة صغيرة قد تمنع عملاً متطرفاً. فموضوع الإنتحار مُعقّد وغيرُ مُريح، وكثيراً ما يكون الحديث عنه محظوراً وتناوله من “التابوهات”، لكن الحديث عنه يظل هاما، كما يؤكد الطبيب النفسي ستيفان سايا والممرض المتمرس إيف دوروغي (أنظر الإطار المصاحب).

swissinfo.ch: هناك توثيق جيد نسبياً لحالات الإنتحار في سويسرا. فهناك في المتوسط ألف حالة سنوياً. فكيف يبدو الأمر بالنسبة لمحاولات الإنتحار؟

إيف دوروجي: هنا تقل المعلومات بصورة واضحة. لكننا نعرف أن الخدمات الصحية تستقبل ما بين 10000 و 15000 محاولة انتحار سنوياً. لكن محاولات الإنتحار الفعلية أكثر من ذلك بكثير. فعدد الشباب الذين يتحدثون عن محاولات انتحار أكثر بكثير من المتخيل (واحدة من كل خمسة فتيات، أو واحد من كل عشرة فتيان في عمر الخامسة عشرة).

swissinfo.ch: من هم هؤلاء الأشخاص الذين يريدون وضع حداً لحياتهم؟

ستيفان سايا: إن فئة الأشخاص الذين يريدون وضع حد لحياتهم ليست بالضرورة نفسها التي تقوم بالمحاولة. فالمجموعة الأولى يغلب عليها الرجال، بينما يغلب على الجماعة الثانية العنصر النسائي.

هذه  إذن ملاحظة بسيطة والأسباب وراء هذا الإختلاف قد تتعدد. فالرجال يتجهون إلى استخدام وسائل عنيفة مثل إطلاق النار أو شنق أنفسهم. أما السيدات فإنهن يتجهن أكثر إلى خدمات الطواريء النفسية، مما قد يجعل الإحصاءات غير صحيحة. إذ أن الأمر هنا يتعلق بافتراضات. أما المؤكد فهو بخلاف ذلك، وهو أن محاولات الإنتحار تشكل عامل الخطورة الأكبر للقيام بعملية انتحار كاملة.

swissinfo.ch: هل هناك فئات عمرية مهددة بصفة خاصة؟

ستيفان سايا: لا. فالإنتحار موجود في جميع الفئات العمرية، حتى وإن كانت هناك مراحل في الحياة يزيد فيها معدل إرتكاب الإنتحار أو محاولته. وأفكر هنا في مرحلة المراهقة والشيخوخة. فكثيراً ما تعتري الشباب أفكار تتعلق بالإنتحار، إلا أنهم لا ينتقلون بالضرورة إلى الفعل.

محتويات خارجية

swissinfo.ch: هل هناك وراء كل عملية انتحار اضطراب نفسي؟

إيف دوروجي: تظهر الدراسات أن أغلبية غير عادية من المنتحرين كانوا يُعانون من مرض نفسي. لكن هذا لا يشكل السبب الوحيد. فالإنتحار عملية معقدة، والأسباب وراءه متعددة.

ستيفان سايا: لا يُوجد سبب بعينه للإنتحار. فالمرء لا يقتل نفسه فقط بسبب وجود ورم خبيث أو بسبب فصله من العمل أو انفصاله عن شريك حياته. فغالباً ما تجتمع عدة عوامل مع بعضها، ثم يتراءى أن المخرج الوحيد منها جميعاً هو الإنتحار.

swissinfo.ch: كيف ينتقل المرء من فكرة الإنتحار إلى التنفيذ الفعلي؟

إيف دوروجي: في أغلب الأحوال يتعلق الأمر بعملية طويلة إلى حدٍ ما. ففي البداية تكون فكرة الإنتحار سلبية، وتكون مرتبطة بحدث ما في حياة الشخص. لكن إذا ما استمرت أسباب الضيق، فقد يبدأ المرء في التفكير المكثف في الإنتحار، ثم ينسج سيناريو لتحقيقه. أي يبدأ ببطء في تنفيذ نيته.

swissinfo.ch: ما هي الإجراءات الأكثر فاعلية في مكافحة الإنتحار؟

إيف دوروجي: حظر الوصول إلى وسائل القتل مثل الأسلحة النارية أو الأماكن التي يمكن ارتكاب الإنتحار منها مثل الجسور أو الهوات السحيقة. ومن المهم كذلك الوصول إلى المساعدة وتأهيل الأشخاص الموجودين في المواجهة ـ مثل القائمين على العمل الإجتماعي والأطباء والممرضين والمدرسين ورجال الشرطة والمطافيء – حتى يمكنهم إدراك الإشارات التحذيرية ومعرفة كيفية المساعدة.

swissinfo.ch: وعلى الجانب الآخر ما الذي يجب تجنبه؟

ستيفان سايا: ننصح بعدم التهوين من شأن الإنتحار في وسائل الإعلام أو استخدامه كمادة للإثارة والتشويق. فالإعلام يلعب دوراً هاماً في هذا الأمر، بحسب ما تقرره منظمة الصحة العالمية. فيجب تجنب ما يسمى بـ “تأثير فيرتر” (نسبة لرواية الكاتب الألماني الشهير غوته “آلام الشاب فيرتر”) أو الظاهرة التي مفادها أن نشر خبراً عن الإنتحار يؤدي إلى حدوث سلسلة من الإنتحارات. ذلك أن العكس أيضاً صحيح: فحينما نتحدث عن مكافحة الإنتحار وننشر التجارب الناجحة في هذا الشأن، فقد نساعد أيضاً شخصاً يفكر في الإنتحار. إذ أن إعطاء الناس أملاً شيء مفيد. لكن للأسف لا توجد موارد مالية كافية. فهناك استثمارات كثيرة تبذل في حملات مكافحة حوادث الطرق، برغم من أن هذه تمثل فقط ربع حالات الوفاة بالمقارنة بالإنتحار.

محتويات خارجية

swissinfo.ch: هل تم إهمال هذا الموضوع؟

ستيفان سايا: قلما أثار موضوع محاولات الإنتحار اهتمام البحث العلمي في السابق، وذلك لعدة أسباب منها أنه ليس من السهل الوصول إلى أشخاص قاموا بمحاولة انتحار. لكننا نعلم أنه من الأهمية بمكان القيام بعمل تتشارك فيه عدة تخصصات، ذلك لأن الإنتحار مشكلة تمسنا جميعاً.

هل تحتاج لمساعدة؟

يمكن لأي شخص مقيم في سويسرا الحصول على المساعدة عبر الموقع الإلكتروني Ipsilonرابط خارجي أو من خلال الإتصال بالأرقام المجانية التالية: 143رابط خارجي (للبالغين) أو 147رابط خارجي (للشبان واليافعين).

swissinfo.ch: في ديسمبر 2016 تم إنشاء مركز في سويسرا الروماندية (غرب البلاد) لرصد محاولات الإنتحار، واعتُبر حدثاً جديداً في الكنفدرالية. فما الذي يمكن قوله عن مرحلة الإنطلاق؟

ستيفان سايا: من المميزات التي يمكن الحديث عنها أننا موجودون دائماً حيث يُؤتىَ بالأشخاص الذين يريدون إنهاء حياتهم، أي في مراكز الطواريء. وعن طريق استمارة يتم جمع البيانات التي تضع كلا من الشخص ومحاولته للإنتحار في جملة مفيدة: السن، والجنس، والجنسية، ووقت وقوع محاولة لإانتحار، ومحاولات الإنتحار السابقة… بهذا نسعى إلى فهم ديناميكية عملية الإنتحار بصورة أفضل. وفي الستة أشهر الأولى من النشاط، قمنا بتوثيق 400 حالة في ثلاث مناطق مختلفة (لوزان، نوشاتيل ولاشودفون)، إلا أنه لا زال من المبكر استخلاص معلومات.

تقليل عمليات الإنتحار بنسبة الربع حتى 2030

تم إنشاء المرصد الروماندي لمحاولات الإنتحاررابط خارجي في ديسمبر 2016، وهي عبارة عن مرصد يقوم بجمع البيانات من أقسام الطوارئ في مستشفيات المناطق المتحدثة بالفرنسية في غرب سويسرا. ويتمثل الهدف من ذلك في التمكن من رصد هذه الظاهرة إحصائياً ودراستها للمساعدة في تحسين سبل المكافحة والمساعدة. 

يندرج هذا المشروع في سياق الخطة العملية لمكافحة الإنتحاررابط خارجي التي أطلقتها الكنفدرالية والرامية إلى تخفيض عدد حالات الإنتحار (في عام 2014 بلغت 1028 حالة) بنسبة 25% بحلول عام 2030. 

تشمل أهداف المجموعة نشر معلومات حول الإنتحار ولفت الانتباه إليه، والعمل على تقديم مساعدة سريعة يسهل الحصول عليها، وكذلك إدراك الرغبة في الإنتحار مبكراً والتدخل المبكر والحيلولة دون وقوع الإنتحار بمنع الوصول إلى وسائل القتل وطرقه، ومساندة الأهل في حالة حدوث الإنتحار إضافة إلى دعم البحث العلمي في هذا المجال.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية