مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برن تُخطط لإنشاء شبكة من المعاهد المختصة في علوم التربية في شمال إفريقيا

من اليمين، وزير التعليم العالي التونسي سليم خلبوص لدى استقباله كاتب الدولة السويسري ماورو ديلامبروجيو يوم 10 أبريل 2017 في مقر الوزارة بالعاصمة تونس. mes.tn

أدى مؤخرا وزير الدولة السويسري للتكوين والبحث والإبتكار ماورو ديلامبروجيو Mauro Dell’Ambrogio زيارة إلى تونس على رأس وفد من ممثلي المدارس السويسرية الكبرى، إضافة إلى "معهد الأمراض الإستوائية والصحة العمومية" السويسري والصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي. 

واجتمع أعضاء الوفد مع علماء وأكاديميين تونسيين من مؤسسات جامعية وبحثية مختلفة، لاستعراض مشاريع التعاون مع المدارس العليا السويسرية، ومنها تلك المتعلقة بالمصادر الزراعية. كما اجتمع الوفد مع وزير التعليم العالي سليم خلبوصرابط خارجي لاستعراض إمكانات تطوير التعاون العلمي بين البلدين وتنويع مجالاته.

وسعى الوفد إلى استطلاع فرص قيام “مركز المشاريع الدولية للتربيةرابط خارجي” Centre for International Projects in Education التابع لـ “المعهد العالي لعلوم التربية” بزيورخ بإطلاق مشروعه الرامي إلى إنشاء “الشبكة الأكاديمية السويسرية المغاربيةرابط خارجي” Swiss-North-African Academic Network. ويرمي المشروع إلى إنشاء شبكة من المعاهد العالية المختصة في علوم التربية في كل من سويسرا وتونس ومصر سيُطلق عليها اسم “أغروسكوب” Agroscope.

خطة لتدريب 4000 شخص

اندرج القسم الأول من برنامج “التكوين والإدماج المهنيين لتعزيز فرص تشغيل الشباب” في إطار خطة التعاون التونسية السويسرية التي انطلقت عام 2011 لدعم مسار الإنتقال الديمقراطي في تونس بعد ثورة 14 يناير من ذلك العام. وتم تخصيص 70% من المساعدات للتنمية الإقتصادية وإيجاد فرص عمل، إذ كانت البطالة أحد العناصر المُفجرة للثورة. واستمر تنفيذ القسم الأول من البرنامج بين 2013 و2015 واستهدف 4000 شخص من بينهم 300 رئيس مؤسسة. كما شملت المحافظات التي سجلت أعلى نسب بطالة في البلد، مثل تونس الكبرى، والقصرين، وسيدي بوزيد، وسليانة، وكذلك المحافظات الساحلية التي تضرر فيها قطاع السياحة.

وفي إطار هذه الزيارة التي تواصلت من 9 إلى 11 أبريل 2017، قام الوفد بزيارة “المعهد الوطني للأبحاث في الهندسة الزراعية والمياه والغابات” التونسي، حيث تم بحث آفاق إقامة مشاريع مشتركة. وزار الوفد أيضا كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية حيث اطلع على عرض لمشروع بحثي يُنجزُ بالتعاون مع جامعة لوزان، ويتعلق بمشروع “جسور” في جنوب تونس. كما زار الوزير والوفد المرافق له مختبر البيوتكنولوجيا بضاحية برج السدرية جنوب العاصمة تونس، والذي يساهم في تحسين نوعية الأسمدة المُخصِبة.

swissinfo.ch  انتهزت الفرصة للقاء السيد ديلامبروجيو لمعرفة المزيد من التفاصيل حول مختلف هذه المشاريع.

swissinfo.ch: عمليا، من يتولى إدارة مشاريع التعاون السويسرية في تونس؟

ماورو ديلامبروجيو: السفارة هي التي تدير مشاريع التعاون التي تمولها سويسرا ولا يتعلق الأمر بمساعدة بالمعنى الحر للكلمة، وإنما بالمساعدة على خلق نماذج، أي بتوطين التكنولوجيا والخبرة عن طريق زرع نماذج محلية، ولذلك لا يحتاج هذا الأمر إلى كفاءات كثيرة. المنوال بسيط، لكن الأمر الصعب هو غرسُهُ في مناخ وبيئة تاريخيين واجتماعيين وثقافيين مختلفين (عن سويسرا). هذه المشاريع تقوم على الجانب الأكاديمي والبحثي فهي تخصُ باحثين وأكاديميين تونسيين يستفيدون من الخبرة السويسرية.

swissinfo.ch: هل من أمثلة؟ 

ماورو ديلامبروجيو: زرتُ اليوم اثنين منها، واحد في قطاع البيوتكنولوجيا، وتحديدا دراسة مدى تأقلم النباتات مع تغيُر الأوضاع المناخية، فبعض النباتات المُطوَرة من خلال العمل المخبري يمكن أن تقاوم تزايد ملوحة الأرض. وهناك كفاءات محلية تقوم بعمل جيد في هذا المجال وتستعين في الوقت نفسه بالخبرات السويسرية التي تقوم بعمل دقيق في مخابر متطورة على صعيد التحاليل الجينية في لوزان.

وهناك أيضا مشروع ثان زُرتُهُ وهو يخص العلاقة بين الجغرافيا والتنمية السياحية، ويتعلق الأمر بالسدود الجبلية في جنوب تونس التي تساهم في المحافظة على مياه الأمطار لاستخدامها لاحقا في ري غراسات الزيتون في المناطق الجافة (قليلة الأمطار)، وهنا يتجسد التعاون في رسم هذا النوع من الخرائط بين معهد المناطق القاحلة التونسي وجامعة لوزان.

ويندرج هذا التعاون الثنائي في إطار برامج الإتحاد الأوروبي، فبالرغم من أن تونس وسويسرا ليستا عضوين في الإتحاد فإنهما شريكتان معه ولديهما خطط تعاون مع بلدانه تُتيح إقامة مثل هذه المشاريع. وتبلغ قيمة مشاريع التعاون في هذا المجال 60 مليون يورو وهي تتيح للخبراء والباحثين التونسيين والسويسريين أن يعملوا معا.

swissinfo.ch: هل هناك بلدان أخرى تُقيمون معها هذا النوع من التعاون، خاصة في المنطقة المتوسطية؟

ماورو ديلامبروجيو: بلى، هناك مشاريع كثيرة، إلا أنّنا نعطي الأولوية طبعا للبُلدان الأوروبية وأمريكا الشمالية، فسويسرا هي بوابة مُتعددة المداخل في قلب أوروبا ونرى الباحثين والعلماء يأتون من بُـلدان الجوار للعمل فيها. كما أن هناك انفتاحا كبيرا في السنوات الأخيرة على بلدان آسيا مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية. وطبعا الثقافات مختلفة، لكن لا تتدخل السياسة في هذه الأمور، فهناك إمكانات كبيرة للتعاون ينبغي استثمارها ودور الوزارة هو التحفيز والدفع قُدُما. وهنا تبدو تونس قدوة بوصفها بلدا إفريقيا، فنحن نتعاون مع بلدان أخرى في القارة مثل إفريقيا الجنوبية، إلى جانب بلدان في أمريكا اللاتينية.

لدينا أيضا برامج تعاون مع تونس لكنها مازالت محدودة بينما لدينا إمكانات كبيرة لفائدة المهاجرين أو “الدياسبورا” التونسية (الجاليات المغتربة) في العالم خاصة ممن درسوا في سويسرا، حيث هناك إمكانات عريضة، ولا يتطلب هذا الأمر بالضرورة دعما سياسيا. هناك اليوم إمكانات كبيرة بفضل التطور السياسي، إذ يمكن لهؤلاء (الخبراء) أن يُقابلوا وزيرا أو مسؤولا ساميا مع المحافظة على استقلاليتهم كباحثين. وكان أعضاء الوفد الذي رافقني خلال هذه الزيارة أحرارا تماما في اختيار شركائهم من دون تدخل في عملهم.

swissinfo.ch : هل من تقدير لمدى نجاح مشاريع الشراكة في هذا المجالات؟

ماورو ديلامبروجيو: هناك صنفان، أولهما المشاريع القديمة التي تدخل في نطاق اعتمادات الستين مليون يورو التي سبق أن ذكرتُها، وهناك جيل ثان من المشاريع ستنطلق الآن، وبعضها مازال في طور الأفكار، ولذا علينا أن ننتظر أسابيع وربما أشهرا لكي نراها تتجسد. ولاحظت على أعضاء الوفد المُرافق لي حماسة كبيرة لإرساء هذا النوع من التعاون.

مئة منحة سويسرية

حظيت تونس باهتمام خاص في إطار برنامج التعاون البحثي السويسري “أفق 2020”، وهي حاليا الشريك الأهم لسويسرا في المنطقة المغاربية. وتُقدر مصادر رسمية سويسرية عدد الباحثين التونسيين الشبان الذين تحصلوا على “منح امتياز” من سويسرا منذ 1961 بمئة باحث شاب.

swissinfo.ch: هل هناك مشاريع مُماثلة في جنوب المتوسط ترمي لتمكين المؤسسات والمشاريع من الإستفادة من الخبرة العلمية السويسرية؟  

ماورو ديلامبروجيو: الأمر مختلف في تلك البلدان، فالتعاون العلمي موجود ومفيد، لكنها تحتاج بالدرجة الأولى إلى تعاون في مجال التكوين المهني، ومنهجنا فيه يختلف عن المنهج الفرنسي، فنحن أقرب إلى النموذج الألماني، وربما نذهب إلى ما أبعد منه. نموذجنا السويسري فريد من حيث الجمع بين مساري التعليم العالي والتكوين المهني. سأضرب لك مثلا بأفراد أسرتي، فلدي سبعة أبناء اثنان منهم فقط تابعا مسارا جامعيا، والآخرون تلقوا تكوينا مهنيا في مدرسة العلوم التطبيقية، واثنان من هؤلاء وضعهما الإجتماعي جيد والباقون مُهيّئون أكثر للعثور على فرص عمل جيدة. وتعترف اليوم منظمات دولية بتفوُق هذا النظام التعليمي، بما فيها منظمة التجارة والتنمية الإقتصادية العالمية. وأعتقد أن من مصلحة جميع البلدان تطوير برامج التكوين المهني لأنها تحل كثيرا من المشاكل الإجتماعية، بما فيها البطالة، بدليل أن نسبة البطالة في سويسرا هي من أدنى النسب.

swissinfo.ch: ما هي مشاريع التكوين المهني مع تونس؟

ماورو ديلامبروجيو: لدينا بعض المشاريع في تونس. فقد توصل البلدان في يوليو الماضي إلى اتفاق يخص تنفيذ القسم الثاني من برنامج “التكوين والإدماج المهنيين لتعزيز فرص تشغيل الشباب”. وتُمول هذا البرنامج وكالة التنمية والتعاون (التابعة لوزارة الخارجية السويسرية)، ورُصدت له 9.6 ملايين فرنك لفترة تستمر خمسة إعوام (2016-2020). ويستهدف البرنامج شابات وشبانا من الحاصلين على شهادات جامعية والعاطلين عن العمل، لتدريبهم على الأعمال الزراعية والمهن التجارية والمهارات الفنية. كما يُتيح للشباب تلقي التدريب في “مؤسسات التمرين”، وهي فكرة جديدة، بما يُحقق لهؤلاء الشباب أول تجربة مهنية في حياتهم، ومن ثم يجعلهم أكثر قابلية للتشغيل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية