مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا ينكفئون إلى ضفاف نهر الفرات

الدخان يتصاعد فوق معقل تنظيم الدولة الاسلامية في الباغوز في شرق سوريا في 18 اذار/مارس 2019. afp_tickers

يتصدى آخر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، بعد انكفائهم إلى مساحة صغيرة عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، لهجوم قوات سوريا الديموقراطية، في محاولة منهم للدفاع عن ما تبقى من “خلافة” متداعية في شرق سوريا.

وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية الثلاثاء سيطرتها على مخيم الباغوز، وحصارها مقاتلي التنظيم في جيوب صغيرة قرب النهر الذي تقع بلدة الباغوز على ضفافه الشرقية.

وتوشك قوات سوريا الديموقراطية بعد ستة أشهر من هجوم بدأته ضد آخر معقل للتنظيم في ريف دير الزور الشرقي، على اعلان انتهاء “الخلافة” التي أقامها على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور في العام 2014.

وقال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي الثلاثاء إن قواته سيطرت على “مخيم داعش” في الباغوز بشكل تام، وهو عبارة عن خيم عشوائية باتت مهجورة بينها عشرات السيارات والشاحنات الصغيرة المتوقفة وبعضها محترق، عند أطراف البلدة.

وشدد على أن هذا “ليس اعلاناً للنصر ولكن تقدماً هاماً في القتال ضد داعش” متحدثاً في الوقت ذاته عن “اشتباكات متواصلة مع استمرار مجموعة من إرهابيي التنظيم، محتجزة في منطقة صغيرة، في القتال”.

وعلقت هذه القوات مراراً هجماتها خلال الأسابيع الماضية إفساحاً في المجال أمام خروج المدنيين وغالبيتهم من عائلات المقاتلين، تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية للتنظيم وإنهاء وجوده في الباغوز.

وتزامناً مع تقدم قوات سوريا الديموقراطية داخل المخيم، أوضح المتحدث الكردي جياكر أمد لفرانس برس أن “ما بين ألف و١٥٠٠ مقاتل مع أفراد عائلاتهم، استسلموا بين ليل الأحد وصباح الإثنين”.

وقال إن بين هؤلاء “المئات من المقاتلين، غالبيتهم جرحى ومصابون”. وتم نقلهم بحسب بالي الى مستشفيات عسكرية قريبة للعلاج.

– حواسيب وأسلحة –

عند تلة مشرفة على الباغوز، تتمركز عليها قوات سوريا الديموقراطية، شاهد صحافي في وكالة فرانس برس خمس شاحنات على الأقل في طريقها من الباغوز الى التلة. ولم تكن رؤية الأشخاص الذين تقلهم متاحة لكن كان بالإمكان سماع بكاء أطفال منها. وسارت هذه الشاحنات بحماية قوات سوريا الديموقراطية وتقدمتها شاحنة صغيرة مزودة برشاش ثقيل.

وفي موقع عسكري، شاهد فريق فرانس برس صباحاً قيادياً ميدانياً لدى عودته من الباغوز في عربة مصفحة، كانت محملة بحواسيب نقالة وأسلحة من مختلف الأنواع، من كلاشنيكوف ومسدسات وقنابل يدوية وبنادق صيد، تمّ جمعها من الخيم التي هجرها مقاتلو التنظيم.

ورغم انكفائهم الى ضفاف الفرات، يواصل مقاتلو التنظيم القتال. ولا تملك قوات سوريا الديموقراطية تصوراً عن عددهم.

ويظهر شريط فيديو تداولته حسابات جهادية على تطبيق تلغرام الثلاثاء العشرات من مقاتلي التنظيم، من مختلف الأعمار، وهم يطلقون الرصاص من أسلحتهم الرشاشة من دون توقف أثناء وجودهم بين خيم ممزقة وعربات متوقفة وخلف سواتر ترابية. ويرجح أنه تم التقاطه قبل أيام. ويقول أحدهم فيه “إخوتي المسلمين في كل مكان، إننا قدمنا كل ما علينا”.

وأعرب المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل شون راين لفرانس برس عن اعتقاده بأن “العدو بصدد محاولة دفاع أخيرة يائسة”.

ومنذ يومين، تستهدف قوات سوريا الديموقراطية وضربات التحالف مواقع التنظيم، بعد تضييقها الخناق على مقاتليه وتطويقهم من ثلاث جهات. ولم يبق لديهم من منفذ سوى النهر الذي تسيطر قوات النظام السوري على ضفافه الغربية.

وتشنّ قوات سوريا الديموقراطية منذ التاسع من شباط/فبراير هجوماً على جيب التنظيم في بلدة الباغوز، في إطار عملية واسعة بدأتها قبل ستة أشهر لطرد التنظيم من معقله الأخير في ريف دير الزور الشرقي، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية.

على وقع تقدمها العسكري، أحصت هذه القوات خروج أكثر من 66 ألف شخص من جيب التنظيم منذ مطلع العام، بينهم 37 ألف مدني و5000 جهادي ونحو 24 ألفاً من أفراد عائلاتهم. كما أفادت عن اعتقال “520 إرهابياً في عمليات خاصة”.

ويرتب هذا العدد أعباء كبيرة على قوات سوريا الديموقراطية، مع اكتظاظ مراكز الاعتقال التي يُنقل إليها المشتبه بارتباطهم بالتنظيم، والمخيمات التي يُرسل إليها المدنيون وأفراد عائلات الجهاديين، وبينهم عدد كبير من الأجانب، لا سيما مخيم الهول شمالاً الذي بات يؤوي اكثر من سبعين ألفاً.

وأحصت لجنة الإنقاذ الدولية وفاة 123 شخصاً، غالبيتهم من الأطفال، خلال رحلتهم الى مخيم الهول أو بعيد وصولهم.

– دعوات لـ”الثأر” –

ومُني التنظيم بخسائر بارزة في العامين الأخيرين على وقع هجمات عدة استهدفته في سوريا والعراق، بعدما كان يسيطر في العام 2014 على أراض شاسعة تقدر بمساحة بريطانيا، ويفرض قوانينه المتشددة وأحكامه القاسية ويصدر عملته ويثير الرعب باعتداءاته الوحشية حول العالم.

ودعا التنظيم الإثنين عناصره في شمال سوريا وشرقها إلى “الثأر” من الأكراد. وخاطب المتحدّث باسمه أبي الحسن المهاجر، في تسجيل صوتي نشرته حسابات جهادية على تطبيق تلغرام “رجالات الدولة” في مناطق سيطرة الأكراد بالقول “اثأروا لدماء إخوانكم وأخواتكم وأعلنوها غزوة للثأر.. فأحكموا العبوات وانشروا القناصات وأغيروا عليهم بالمفخّخات”.

وأضافّ “معركتنا معكم لم يحم وطيسها بعد(…) فارقبوها حرباً شاملة لا تبقي ولا تذر”.

ولا يعني حسم المعركة في منطقة دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق الخارجة عن سيطرته واستمرار وجوده في البادية السورية المترامية الأطراف.

وقال الخبير في شؤون الجهاديين في معهد الجامعة الأوروبية تور هامينغ لفرانس برس إن مقاتلي التنظيم “سيقاتلون حتى النهاية المريرة”. وأوضح “ما نتحدث عنه باعتباره +النهاية+ ليس كذلك بالنسبة لهم. إنها بداية شيء جديد”.

وتشكل جبهة الباغوز دليلاً على تعقيدات النزاع السوري الذي بدأ الجمعة عامه التاسع، مخلفاً حصيلة قتلى تخطت 370 ألفاً، من دون أن تسفر كافة الجهود الدولية عن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية