مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كلفة اقتصادية واجتماعية وصحية خارجة عن المألوف لأزمة كورونا في العالم

صف انتظار امام مركز توزيع المواد الغذائية في مدريد في 16 أيار/مايو 2020. afp_tickers

كشفت المفوضية الأوروبية الأربعاء النقاب عن خطة انتعاش استثنائية بقيمة 750 مليار يورو من أجل النهوض بالاقتصادات الأوروبية التي شلتها جائحة كوفيد-19 المستجد مثل سائر دول العالم.

ففي حين تبدو آسيا على الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الناجمة عن الوباء، وتسرِّع أوروبا اجراءات رفع العزل وتتزايد الإصابات في أميركا اللاتينية يوماً بعد يوم، تتضح الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للوباء التي تضاف الى الكلفة البشرية العالية.

وفيما تجاوزت حصيلة الوفيات 350 ألفا في العالم (ثلاثة أرباعها في أوروبا والولايات المتحدة)، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين عن خطة المساعدة الاستثنائية ودعت الدول السبع والعشرين إلى “وضع الأحكام المسبقة القديمة جانباً” لتأييدها.

ومن بين أكثر البلدان تأثراً بالأزمة الصحية، تستحوذ إيطاليا وإسبانيا اللتان رحبتا بالخطة على نصيب الأسد منها وستتمكنان من الحصول على أكثر من 172 و140 مليار يورو على التوالي.

أما فرنسا فهي رابع المستفيدين بعد بولندا مع إعانات وقروض تصل إلى 38,7 مليار دولار.

ودعا وزير المالية الفرنسي برونو لومير جميع الدول “بما في ذلك الدول الأربع المقتصِدة” وهي هولندا والدنمارك والنمسا والسويد إلى دعم هذه الخطة “التاريخية”.

بدوره، اعتبر مستشار النمسا سيباستيان كورتز أنّ خطة النهوض الاقتصادي تمثل “اساسا للمفاوضات”، مضيفاً أنّه يتوجب التباحث بشأن “حصص القروض والمنح”.

لكن رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين عبر عن خيبة أمله إزاء الحزمة المقترحة التي تتألف من منح بقيمة 500 مليار يورو وقروض بقيمة 250 مليار يورو.

وقال لوفين في بيان تلقته فرانس برس “هناك حاجة لصندوق للتعافي يساعد على النهوض باقتصاديات الدول … لكن من المدهش أن توصي مفوضية الاتحاد الأوروبي الآن بدفع أكثر من 5000 مليار كرون (500 مليار يورو) كمنح دون أي طلب للسداد”.

بدوره، قال وزير الخارجية الدنماركي جيب كوفود في تعقيب خطي تلقته فرانس برس “إن مقترحات اليوم تمثل بداية المفاوضات. سنبذل جهدنا للدفاع عن المصالح الدنماركية. ومع ذلك، فإننا ندرك أنه – في النهاية – يجب أن نجد حلاً وسطًا مقبولاً للجميع. لذلك لن يكون الأمر سهلاً في الحقيقة”.

وفي جميع أنحاء العالم، وحتى في الدول التي قاومت أنظمتها الصحية الأزمة، تراجعت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بشكل حاد.

وقالت جاكلين الفاريز (42 عاما) في مدريد وهي تحمل كيس مساعدات غذائية في حي شعبي “أنا أغطي وجهي لانني أشعر بالخجل صراحة، لم أطلب أبدا في السابق مساعدات غذائية”.

وكانت تقف في الصف مع حوالى 700 شخص آخرين أمام جمعية في الحي حولت الى بنك غذائي. في اسبانيا تتزايد معدلات الفقر بشكل أسرع مما كانت عليه خلال الأزمة المالية في 2008 لكن العالم بأسره يعاني.

– “تسول”-

بحسب منظمة اوكسفام غير الحكومية فان الأزمة الصحية يمكن ان تدفع 500 مليون شخص الى الفقر.

في البرازيل، يتوقع الخبراء هبوط إجمالي الناتج الداخلي هذه السنة بنسبة 6 الى 10% وارتفاع معدل البطالة البالغ حاليا 12,2% الى أكثر من 18%.

في فرنسا، ومع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بمعدل 20% في الفصل الثاني، يراهن الخبراء على تراجع باكثر من 8% كمعدل سنوي. وقال المعهد الوطني للاحصاء “إنه أكبر انكماش منذ انشاء الحسابات الوطنية في 1948”.

وبعد الارجنتين ولبنان اللذين اعلنا التخلف عن سداد الديون، يخشى خبراء مجموعة الدول العشرين أن يتسبب الوباء قبل نهاية السنة بعدوى التخلف عن الدفع لدى الدول الناشئة غير القادرة على احترام التزامات تسديد ديونها.

وفي جنوب افريقيا، زاد الوباء من البؤس وأغرق عددا كبيرا من حوالى أربعة ملايين أجنبي غالبيتهم يقيمون بشكل غير شرعي، في العوز.

وقال الفرد دجانغا الناطق باسم العائلات اللاجئة في حي مايفير في جوهانسبورغ “هنا كثير من الناس يعانون بسبب العزل. غالبيتهم مهاجرون أو لاجئون ولا يمكنهم العمل”.

وتابع هذا المحامي البالغ من العمر 50 عاما “في السابق كانوا يعملون في متاجر او يبيعون في الشارع، لكن لم يعد لهم الحق في ذلك. بدون أوراق لم يعد لديهم من خيار سوى التسول”.

تسبب انتشار فيروس كورونا المستجد بضرر كبير للاقتصاد والأنظمة الاجتماعية والصحية في العالم أجمع، لكنه ترك أيضا أثرا كبيرا على المعالجين الطبيين الذين يتعرضون منذ بداية السنة لضغط كبير في العمل وإجهاد استثنائي.

وقال كسافييه نويل الخبير في مسائل الصحة العقلية في جامعة بروكسل الحرة “نواجه جميعا خطرا كبيرا للتعرض للاجهاد ما بعد الصدمة”.

وأضاف لوكالة فرانس برس أن الذين يعملون في وحدات العناية المركزة “واجهوا معدل وفيات وطريقة وفاة غير معتادة على الإطلاق في إطار مجرد من الإنسانية بدون حضور عائلاتهم للتخفيف عنهم”.

واظهرت دراسة أجريت في مطلع أيار/مايو على 3300 معالج طبي في بلجيكا أن 15% منهم يفكرون في التخلي عن هذه المهنة مقابل 6% في الاوقات العادية.

في اسبانيا، أظهرت دراسة أجرتها جامعة مدريد أن 51% من 1200 معالج طبي شملتهم الاسئلة بدت عليهم عوارض “اكتئاب” وان 53% يعانون من مؤشرات يمكن تصنيفها في خانة “إجهاد ما بعد الصدمة”.

وفي أميركا اللاتينية، فان الدول لا تزال في حالة تعبئة لمواجهة الوباء والتداعيات التي يخلفها على المجتمعات والأنظمة الصحية الهشة.

وحذر فرع إقليمي من منظمة الصحة العالمية الثلاثاء من أن انتشار فيروس كورونا المستجد “يتسارع” في البرازيل والبيرو وتشيلي داعيا الى عدم التراخي في تطبيق اجراءات العزل الهادفة الى إبطاء الإصابات.

وقالت كاريسا إتيان مديرة منظّمة الصحّة للبلدان الأميركيّة ومقرّها واشنطن “نحن في أميركا الجنوبيّة قلقون بشكل خاصّ، لأنّ عدد الإصابات الجديدة المسجّلة الأسبوع الماضي في البرازيل هو الأعلى على مدى فترة سبعة أيّام منذ بداية الوباء”.

وأضافت أنّ “البيرو وتشيلي سَجّلتا أيضاً معدّلات مرتفعة، في مؤشّر الى أنّ الانتشار يتسارع في هاتين الدولتين”.

وسجلت البيرو من جهتها عددا قياسيا من الإصابات الجديدة بلغ 5772 في 24 ساعة من أصل إجمالي 130 ألف حالة كما أعلنت وزارة الصحة الثلاثاء.

– بؤرة جديدة –

تجاوز العدد اليوميّ للإصابات الجديدة أعداد الإصابات في أوروبا والولايات المتحدة، ممّا جعل أميركا اللاتينيّة “من دون أدنى شكّ” البؤرة الجديدة للوباء، بحسب منظّمة الصحّة للبلدان الأميركيّة.

وقالت كاريسا إتيان “بالنسبة إلى معظم دول الأميركيّتَين، الوقت ليس مناسباً الآن لتخفيف القيود أو الحدّ من استراتيجيّات الوقاية”.

في أوروبا، يتواصل تخفيف العزل لكن بدون نسيان الوفيات. وتبدأ اسبانيا الاربعاء حدادا وطنيا من عشرة أيام تكريما لضحايا الفيروس الذي تسبب بوفاة أكثر من 27 ألف شخص في البلاد.

في المقابل، ولليوم الثالث على التوالي اعلنت الولايات المتحدة عن تسجيل 700 وفاة في اليوم بكوفيد-19 بحسب تعداد جامعة جونز هوبكينز عند الساعة 00,30 ت غ الاربعاء.

في نيويورك، المدينة الأكثر تضررا بالوباء حيث أعلن إغلاق الشركات حتى حزيران/يونيو على الأقل، عاد ثمانون وسيطا نيويوركيا الى قاعة المداولات في وول ستريت للمرة الأولى منذ 23 آذار/مارس.

ولم تكن البورصة المكان الرمزي الوحيد الذي أعاد فتح أبوابه وانما مواقع أخرى في العالم مثل كنيسة المهد في بيت لحم وموقع بومبيي في ايطاليا فيما سيكون دور البازار الكبير في اسطنبول لكي يبدأ باستقبال الزوار خلال بضعة أيام.

في المقابل، لا يزال يجب انتظار الأول من حزيران/يونيو للدخول الى الكولوسيوم، الموقع الذي يزوره أكبر عدد من السياح في ايطاليا. وكشف المسؤولون عن هذا الصرح التاريخي في العاصمة الإيطالية ان “الأشهر الماضية كانت صعبة جدا مع صمت سوريالي يصعب قبوله”.

وفي أوروبا حيث تتحسن الأرقام والمؤشرات كل يوم، يتزايد الضغط من أجل تنسيق إعادة فتح الحدود التي ترغب إيطاليا بفتحها في منتصف حزيران/يونيو.

وفي بولندا، لن يضطر السكان بعد عطلة نهاية الأسبوع لارتداء الأقنعة، شريطة أن يتركوا مسافة مترين بين كل شخص وآخر.

وفي فرنسا، نص مرسوم الأربعاء على وقف إعطاء دواء هيدروكسي كلوروكين، المثير للجدل، لمرضى كوفيد-19 خارج إطار التجارب الإكلينيكية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية