مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا تنخرط المدرسة السويسرية في التثقيف الجنسي؟

تلميذ يضع كلمات على رسوم إيضاحية فوق سبورة سوداء
درس في التربية الجنسية في إحدى مدارس مدينة خور، جنوب شرق سويسرا (الصورة التقطت يوم 24 يناير 2013) Keystone

"يجب على المدرسين الرد على أسئلة الأطفال حول الموضوعات الجنسية بإجابات تتناسب مع الموقف والمرحلة العمرية". هذه هي خلاصة الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حسب رأي بيات تسيمب، ممثل المدرسين بسويسرا. وللعلم، فقد أيّد قضاة ستراسبورغ الممارسة المعمول بها في المدارس السويسرية التي تنص على وجوب متابعة الأطفال لجميع الدروس دون أي استثناء.

سواء تعلق الأمر بدروس السباحة أو بالمشاركة في أداء أناشيد عيد الميلاد المسيحية أو بمتابعة دروس التربية الجنسية، هناك دائما وأبدا أولياء يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها ويرفعون الأمر إلى المحكمة للمطالبة بإعفاء أولادهم من متابعة فصول دراسية محددة.

في الأسبوع الثاني من شهر يناير 2018، رفضت المحكمة طلبا تقدمت به إحدى الأسر المقيمة في كانتون بازل لإعفاء ابنتها (7 سنوات) من حضور دروس التربية الجنسية. وجاء الحكم الصادر عن محكمة ستراسبورغ ليُنهي – مؤقتا على أقل تقدير – نقاشا محتدما في سويسرا اتسم بقدر لا بأس به من الإثارة حول التربية الجنسية في المدارس، انطلقت شرارته الأولى من هذه الواقعة التي شهدتها مدينة بازل.

من وجهة نظر المتخصصين في المسائل البيداغوجية، تهدف هذه الدروس في المقام الأول إلى التوقي من حدوث أية انتهاكات. في المقابل، ترى الأوساط المحافظة التي تتحدث عن “تحول مبكر نحو الجنس”، أن هذه الدروس تُسفر عن النتيجة المعاكسة.

swissinfo.ch أجرت الحوار التالي مع بيات تسيمب، رئيس الرابطة الجامعة للمُدرسين والمدرسات في المناطق المتحدثة بالألمانية من سويسرارابط خارجي الذي رحّب بالقرار الصادر عن قضاة ستراسبورغ. 

صورة رجل
أشاد بيات تسيمب، رئيس الرابطة الجامعة للمُدرسين والمدرسات في المناطق المتحدثة بالألمانية من سويسرا بالقرار الذي اتخذه قضاة ستراسبورغ. Keystone

swissinfo.ch: ماذا يعني حكم المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بالنسبة للفصول الدراسية؟

بيات تسيمب: صحيح أن المحكمة أصدرت هذا الحكم فيما يخص واقعة كانتون بازل ـ المدينة تحديداً. إلا أن الحكم له أثر تقنيني.

swissinfo.ch: ما الذي تريد قوله؟

بيات تسيمب: أعني أن الكانتونات الأخرى التي تقدم دروس التربية الجنسية في المرحلة الإبتدائية بأسلوب مشابه لما يحدث في كانتون بازل ـ المدينة، سوف تجد في هذا الحكم حماية لها. ولقد قررت المحكمة الفدرالية قبل ذلك بالفعل أنه لا إعفاء من التربية الجنسية، إذا ما قُدمت هذه بصورة تتناسب مع المرحلة العُمرية والموقف، وهذا أمر هام، وقد تم تطبيق هذا في بازل ـ المدينة بصورة صحيحة.

swissinfo.ch: ما الذي يعنيه “بصورة تتناسب مع المرحلة والموقف” تحديداً؟

بيات تسيمب: “أن يتناسب مع المرحلة” يعني على سبيل المثال أن الوسائل التعليمية المستخدمة في شرح الأعضاء التناسلية ـ كما تُدرّس على سبيل المثال باستخدام “حقيبة التربية الجنسية” التي تحتوي على نماذج للأعضاء التناسلية لكلا الجنسين والمصنوعة من الخشب أو القماش المحشو (أنظر الإطار المصاحب) لا تتناسب مع التدريس في المرحلة الإبتدائية، وإنما في مرحلة المراهقة، أي في المرحلة الإعدادية.

swissinfo.ch: كيف ينبغي على المدرّس أن يتفاعل في مثل هذا الموقف؟ هل يمكنك أن تعطينا مثالاً؟

بيات تسيمب: كثيراً ما نسمع في المرحلة الإبتدائية شتيمة “أيها الشاذ الوسخ”. وفي الأغلب الأحيان لا يعرف هؤلاء التلاميذ معنى كلمة شاذ. حينئذ يمكن للمدرس أن يوضح أن الحب لا يكون فقط بين رجل وامرأة وإنما قد يكون بين الرجال وبين النساء، وأن هذا ليس دافعاً لسبّ أحد. والمهم أن لا نتجاهل مثل هذه الأحداث بل أن نتعامل معها بما يتناسب مع الموقف. 

swissinfo.ch: بعض الآباء والأمهات يرون أن التربية الجنسية من صميم اختصاص الأبوين وليس المدرسة. فبم ترد عليهم؟ 

“حقيبة التربية الجنسية” المثيرة للجدل 

قبل سبع سنوات قام تربويون من مدينة بازل بوضع تصميم لتدريس التربية الجنسية. إلا أن هذا المشروع أثار غضب الدوائر المحافظة بصفة خاصة. وكان الغضب قد انصب على ما سمي بـ “حقيبة التربية الجنسية” التي احتوت على نماذج للأعضاء التناسلية للذكور والإناث مصنوعة من الخشب والقماش المحشو وتم توزيعها على المدارس. وما لبثت تلك الحقائب أن اختفت مرة أخرى، إلا أن دروس التربية الجنسية ظلت جزءاً من المنهج التعليمي. 

أما ما يعنيه أن يتناسب التدريس مع الموقف فهو على سبيل المثال: إذا ما طُرح في الفصل سؤال: من أين يأتي الأطفال، لأن المُدرّسة حامل مثلا أو للأن تلاميذ الفصل عثروا على واق ذكريّ في فناء المدرسة، فإنه يُمكن للمدرس أن يتناول الأمر بصورة مقتضبة وهذا في بداية الحصة، بدون أن يُعَرّض نفسه للمساءلة. وقد يُعتبر الأمر بمثابة إفلاس تربوي، إذا ما تم منع المدرس من القيام بالرد على مثل تلك الأسئلة الطفولية بإجابة تتناسب مع أعمار هؤلاء الأطفال.

بيات تسيمب: إن الأمر يتعلق في المقام الأول بحماية التلاميذ من الاعتداءات الجنسية. فلابد أن يعلم الأطفال منذ سن الحضانة أن “جسمي هو شيء يخصني”. وكذلك أن “هناك لمسات جيّدة وأخرى سيئة”. وفي المرحلة الإعدادية والثانوية يزيد على ذلك الحماية من الأمراض التي تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية. وهذان الخطران هما اللذان يعطيان للمدرسة الحق في التدخل في سلطة الأبوين فيما يتعلق بالتربية الجنسية. وهذه القناعة تحميها الآن المحكمة الفيدرالية وأضيفت إليها الآن كذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. 

swissinfo.ch: يعيش في سويسرا أناس من خلفيات ثقافية متباينة. فهل الخلاف مع بعض الآباء والأمهات ليس أمراً حتمياً إذا ما شرعت المدرسة في تدريس التربية الجنسية منذ الصف الخامس الإبتدائي بصورة منهجية؟ 

بيات تسيمب: في النقاشات مع الآباء والأمهات في إطار الأمسيات المخصصة للأولياء يتم إبلاغهم بهدف تلك الدروس بدقة وكذلك محتواها والكيفية التي يُعالج بها الموضوع وأن أحداً لا يقوم البتة بإملاء أي توجّه جنسي أو أية ممارسات. والهدف من هذه النقاشات هو كسب ثقة الآباء. ومع إمدادهم بالمعلومات الكاملة يتحقق هذا في معظم الأحيان. 

swissinfo.ch: أتصور أن هذا الأمر صعب للغاية..

بيات تسيمب: لقد تلقى المدرسون والمدرسات تأهيلاً بهذا الشأن في المعهد العالي للتربية.

swissinfo.ch: هل يحق لي كمدرس أن أتجاهل تدريس هذا الموضوع، إذا وجدت أنه مُحرج؟

بيات تسيمب: لا، لا مناص منه، فدروس التربية الجنسية تعتبر جزءاً من الدروس الإجبارية في المرحلة الإعدادية. إلا أنه يحق للمدرس الإستعانة بمختصين خارجيين لديهم تأهيل خاص بذلك. وهذا أمر معتاد في المرحلة الإعدادية. وفي سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) يقوم مختصون بتدريس التربية الجنسية بالكامل. أما في سويسرا الناطقة بالألمانية فتؤول المسئولية الأولى عادة لمدرس الفصل. وفي المرحلة الإعدادية يتم في المناطق المتحدثة بالألمانية كذلك الإستعانة بمختصين خارجيين. وأحياناً يجري تدريس هذه الدروس لكل من البنات والأولاد منفصلين. وفي هذا السن تكون هناك بعض الأسئلة التي لا يفضل التلاميذ والتلميذات توجيهها للمدرس أو المدرسة.

swissinfo.ch: يبدو أن الأحكام القضائية قد زادت في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بالأمور المدرسية. فالمحاكم يجب أن تفصل فيما كان يُسمح في المدرسة بغناء أناشيد عيد الميلاد المسيحية أو بدروس السباحة أو باستخدام الرموز الدينية أو الهواتف الجوالة أم لا. هل أصبح المدرسون اليوم دائمي الحضور في قاعات المحاكم؟

بيات تسيمب: إن اضطرار محاكم عُليا لتناول مسائل بيداغوجية مثلما هو الحال في قضية بازل المتعلقة بدروس التربية الجنسية يُثير إشكالا حقيقيا. أو في تلك القضية المتعلقة بأب مسلم غير مرن عانى من غرامات ومصاريف قضائية بلغت عدة آلاف من الفرنكات وبما أنه لم يكن يستطيع دفعها تعيّن عليه دخول السجن، لمجرد أنه كان يُريد منع ابنته من المشاركة في دروس السباحة. حقا، أنا لا أفهم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية