مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تونس تخوض أول انتخابات بلدية حرة بدور بارز للمرأة والشباب

انتخابات المجلس التأسيسي
بدأت اللبنة الأولى في بناء صرح الديمقراطية التونسية الناشئة والواعدة بانتخابات المجلس التأسيسي في عام 2011 ثم تلتها انتخابات برلمانية ورئاسية تعددية ويوم 6 مايو الجاري تقطع هذه الديمقراطية خطوة أخرى بإرساء الحكم المحليّ واللامركزي. Keystone

قطعت تونس أشواطا كبيرة بين لحظة تهاوي النظام الاستبدادي السابق، مع فرار الرئيس زين العابدين بن علي يوم 14 يناير 2011، ولحظة الانتخابات البلدية الأولى في ظل الديمقراطية، المقررة ليوم الاحد 6 مايو 2018. 

انطلق مسار دمقرطة الدولة والمجتمع من انتخابات المجلس التأسيسي (23 أكتوبر 2011)، ولم يكن ذا اتجاه سهمي، إذ نشبت صراعات حادة بين مُكونات المجلس كادت تعصف بالتجربة، وتعاظمت المخاوف على خلفية انتكاس المسار المماثل في مصر. إلا أن الحصيلة أتت إيجابية، وتمثلت الثمرة في سن دستور ديمقراطي، حصد توافقا بين جميع العائلات الفكرية والسياسية، وشكل أرضية لانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وشفافة للمرة الأولى منذ استقلال البلد في 1956.

 ولعل أبرز ميزة لهذا الدستور أنه شكل تأسيسا للديمقراطية التشاركية والحكم المحلي، اللذان لم يخلُ الخلاف على صيغ تطبيقهما في الواقع المحلي من تجاذبات وصلت إلى ذروتها في الفترة الأخيرة. ولا يُستبعد أن تكون محور صراع بين الحزبين الكبيرين بعد الانتخابات، وهما “نداء تونس”، الذي يشكل امتدادا لحزب بن علي، و”حركة النهضة” ذات المرجعية الاسلامية. 

وينص البند 130 من دستور تونس على أن “المجالس البلدية والجهوية تنتخب انتخابا عاما حرا مباشرا سريا نزيها وشفافا”. وألزم القانون الانتخابي المُرشحين بأن تتألف القائمات من عدد مُتساو من النساء والرجال أفقيا وعموديا، وهو ما جعل نسبة النساء تفوق 49 في المئة من المرشحين. واحتل الشباب أيضا موقعا بارزا في قائمات المرشحين، إذ أن 52 في المئة من المرشحين تقلُ سنهم عن الخامسة والثلاثين وتصل إلى 76 في المئة لمن هم دون الخامسة والأربعين. كما وجد ذوو الاعاقة مكانا لهم ليس فقط في القائمات، وإنما أيضا على رأس بعضها، إذ تُظهر إحصاءات الهيأة العليا المستقلة للانتخابات أن 13 رجلا و5 سيدات من ذوي الاعاقة، نالوا رئاسة القائمات التي ترشحوا ضمنها.

عسكريون تونسيون يشاركون في الإنتخابات البلدية لأوّل مرة منذ استقلال بلادهم في عام 1956.
عسكريون تونسيون يشاركون في الإنتخابات البلدية لأوّل مرة منذ استقلال بلادهم في عام 1956. swissinfo.ch

وحظيت التجربة الديمقراطية اليافعة في تونس بدعم ديمقراطيات عريقة من أوروبا وأمريكا منذ نجاح الثورة. واستفاد التونسيون من الخبرة الفنية المقدمة من تلك الديمقراطيات، في مجالات مختلفة، ومن بينها سويسرا، التي اندفعت لدعم التجربة بدءا من التبرع بصناديق الاقتراع الشفافة بوصفها هدية للتجربة الديمقراطية الوليدة، إلى تمويل مشاريع تنموية، وصولا إلى تشجيع رواج المنتوجات الزراعية المحلية في الخارج، من أجل التخفيف من المختنقات الاقتصادية. ووهبت برن على سبيل المثال صناديق الاقتراع البلورية في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 2014، عن طريق “برنامج الأمم المتحدة للتنمية”. وأوضح نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون لـ”Swissinfo.ch” إن اللجنة لم تقتن هذا العام صناديق جديدة بل ستستخدم الصناديق القديمة. لكنه أوضح أن تونس ستحتاج إلى صناديق جديدة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة للعام المقبل. ويمكن القول إن المساعدات الكثيرة العينية والتقنية التي حصلت عليها تونس، على مدى السنوات السبع الماضية، ساهمت في تحسين مشاركة المرأة وترسيخ الايمان بنجاعة مسار اللامركزية.

تعاون مع سويسرا منذ البداية

كثيرا ما تُحجم الدول الغربية، ومن بينها سويسرا، عن الحديث عن الدعم الذي تقدمه للعمليات الانتخابية، سواء من خلال الخبرة والمشورة المقدمة للمؤسسات المعنية بالانتخابات، أم بواسطة مساعدات عينية مثلما فعلت لإعانة مزارعين تونسيين على ترويج المنتوجات المحلية في أسواق أوروبية.

ويعتقد السويسريون أن تونس قطعت أشواطا مهمة في انتقالها نحو الديمقراطية، وإن ظلت التحديات الاقتصادية والأمنية تُعرقل ذلك التقدم، على ما جاء في وثيقة “استراتيجيا التعاون السويسري مع تونس 2017-2020”. ووضعت الاستراتيجيا في مقدم الأولويات للسنوات المقبلة تكريس التناغم بين بنود الدستور الجديد وترسانة القوانين، وأيضا إعادة صياغة الحوكمة التي تُطبق في مناخ من التوتر بين مختلف الكتل ذات المصالح الاجتماعية والسياسية. وحضت الاستراتيجيا على إعادة صياغة “العقد الاجتماعي” بما يعني الاقدام على إصلاح اقتصادي يحتوي الاقتصاد الموازي وتكريس العدل الاجتماعي وإيضاح مفهوم العدالة الانتقالية وآلياتها وضمان مشاركة الشباب في السياسة. 

 معلومات عامة عن انتخابات 6 مايو 2018

المرشحون: 53668  

الرجال: 50.74% – النساء: 49.26%

القائمات: 2074 

الحزبية: 1055 – الائتلافية: 159 – المستقلة: 860

رؤساء القائمات: الرجال 70% – النساء 30%

أعمار المرشحين: 

أقل من 35 سنة: 52% – أقل من 45 سنة: 76%

رؤساء قائمات من ذوي الإعاقة: 13 رجلا و 5 نساء. 

واعتبرت الوثيقة أن تغيُر المسؤولين بسرعة من جانب الحكومة التونسية أثرت سلبا في تحقيق الأهداف التي بدت أحيانا طموحة أكثر من اللزوم. وقالت السفيرة السويسرية لدى تونس ريتا أدام في تصريح خاص لـ”Swissinfo.ch” إن الكنفدرالية التزمت منذ انطلاق الانتقال السياسي في تونس عام 2011 بدعم هذه التجربة ورسخت دعائمها، مُكرسة دورها كشريك موثوق به ويحظى بالاحترام”. وأوضحت أن سويسرا “حددت ثلاثة محاور للدعم هي المحور السياسي، أي المسار الديمقراطي وحقوق الانسان، والثاني هو المحور الاقتصادي والثالث يتعلق بظاهرة الهجرة، إذ توصل البلدان إلى شراكة حول الهجرة. وقد استخلصنا الاستنتاجات اللازمة من تجربة استمرت أربع أو خمس سنوات، وقررنا تحويله إلى التزام على المدى المتوسط، فأطلقنا استراتيجيا تعاون ثانية للسنوات من 2017 إلى 2020”.

وركزت سويسرا دعمها لتونس على مؤسستين جديدتين هما الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري، وذلك من خلال برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD والمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية IFES. وقدمت المؤسستان على سبيل المثال صناديق الاقتراع التي استخدمت في انتخابات 2014 وسيُعاد استخدامها في الانتخابات البلدية الوشيكة على ما قال لـ”Swissinfo.ch” نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون. وأضافت السفيرة “دعمت سويسرا بشكل خاص الجهود التي بذلتها تونس في إطار مسار كتابة الدستور، ولكن أيضا في المسارات الانتخابية. واليوم، تمضي عملية الانتقال الديمقراطي قُدُما، وإن لم يُستكمل إنفاذ الدستور الجديد تماما، ولذلك من الضروري أن يستمر دعمُنا لشركائنا التونسيين، في بناء إطار مؤسسي ناجع وخاضع للمحاسبة في إدارته للشأن العام”.

ديمقراطية تشاركية وحكمٌ محليٌ

في الجهة المقابلة تخترق النُخب التونسية تباعدات عميقة في شأن مفهوم اللامركزية والديمقراطية التشاركية والحكم المحلي، وهو أمرٌ طبيعيٌ في أعقاب سبعين سنة من حكم الحزب الواحد، وإن تدثر في سنواته الأخيرة بعباءة تعددية مُزورة. ومن خلال الحوار مع بعض وجوه النخبة، لاحظت “Swissinfo.ch” تعايشا بين رؤى مختلفة، يمكن اختزالها في ثلاثة مواقف، أولها موقف من يُراهنون على نجاح التجربة، مع التحذير من انحراف مسار اللامركزية نحو الصراعات الحزبية، وضرورة إعداد نخبة نقدية من الأشخاص ذوي الكفاءة في مجال الحوكمة الرشيدة والقيادة وإدارة الصراعات. 

آسيا عتروس
الإعلامية التونسية آسيا العتروس swissinfo.ch

أما الموقف الثاني فهو أميل إلى التشاؤم من خلال قراءة عدد من المؤشرات السلبية، وعبرت عنه الإعلامية آسيا العتروس، التي رأت أن النخب السياسية الجديدة عاجزة عن إحياء الامل في النفوس والاستجابة للمطالب الشعبية. وهناك فريق ثالث يُقرُ بوجود سلبيات كثيرة، إلا أنه يلحظ، على لسان عضو المجلس التأسيسي نجلاء بوريال، بعض خيوط الأمل التي قد تُنقذ مسار الديمقرطية التشاركية.

أما الدكتورة رياض الزغل عميدة كلية الاقتصاد والتصرف بجامعة صفاقس (جنوب) سابقا، فهي متفائلة بمستقبل الديمقراطية المحلية، وهي تقول إن اللامركزية تحقق انسياب المعلومات، كما يقول إلفين توفلر. ورأت في تصريح لـ”Swissinfo.ch” أن “أحد المشاكل التي يُعاني منها بلدٌ مثل بلدنا هو البطء في اتخاذ القرار وغياب الجواب المُفكر فيه والروتين الاداري، التي تطحن المواطن الذي يلجأ إلى الادارة اضطرارا. 

رياض الزغل
الدكتورة رياض الزغل عميدة كلية الاقتصاد والتصرف بجامعة صفاقس (جنوب) سابقا swissinfo.ch

وهو يدفع ثمن ذلك الروتين من وقته وماله وأحيانا من صحته، فتُهدرُ فرصٌ كانت متاحة له لتحسين وضعه المعيشي عن طريق الإستثمار أو خلق الثروة”. أضافت “يلوح اليوم بصيص أمل في الأفق مع اتجاه البلد نحو اللامركزية. ويتجسد ذلك الأمل في تكريس الحوكمة الرشيدة وتجاوب أكبر من الهياكل الادارية القريبة من المواطن،  التي ستكون في المستقبل مركز صنع القرار”. إلا أن الدكتورة الزغل حذرت من أن هذا الأمل سيُدفن ما لم يتغير نمط ممارسة السلطة.

وشرحت أن ممارسة السلطة ستسلك خطوطا أفقية بين شركاء متكاملين، بدل أن تكون خطا عموديا يربط بين قمة تحتكر صنع القرار وقاعدة يُفترض أن تنصاع إليها. غير أن الدكتورة الزغل استدركت قائلة “هذا في المستوى النظري، أما في الواقع فنعلم جميعا أن الديمقراطية لا تحول دون التأثير السياسي الحاسم للأقليات.

خيبات وانكسارات

بدأنا الحوار مع الإعلامية آسيا العتروس من حيث انتهت الدكتورة رياض الزغل، فبدت مستاءة من أداء النخب وتأثيرها السلبي بحسب رؤيتها في مسار بناء الديمقراطية المحلية. وقالت لـ”Swissinfo.ch” كثيرون يتساءلون بعد تواتر الخيبات والانكسارات وتفاقم الاحباط: هل مازالت تونس نموذجا لدول الربيع العربي؟ وقبل التوقف عند ذلك نقول ليس مهما أن تكون تونس نموذجا، لأن جائزة نوبل للسلام ستظل العنوان الذي سيعيد ضبط البوصلة عندما تحيد السفينة عن المسار، والبوصلة هي الشعب التونسي، الذي سيظل الحصن لتونس عندما تفقد النخب السياسية وعيها وتغرق حتى الثمالة في صراعاتها حول السلطة، واغراءات الكرسي. 

نجلاء بوريال
نجلاء بوريال، عضو المجلس التأسيسي (2011- 2013) swissinfo.ch

لكن الاهم من كل ذلك أن 2011 كانت سنة سقوط الطغيان وخروج التونسيين، كما الشعوب العربية الأخرى، من قبضة التسلط  لتتنفس الحرية وتهتف لها، وتؤكد للعالم ان هناك طريقا ثالثة غير الدكتاتورية، سواء أكان ذلك تحت غطاء الدين أم غطاء العسكر، وأن هذا المد الجديد وهذا التوجه نحو التمرد على الخوف وكسر قيود الشعوب لن ينطفئا أبدا. وشددت على أن “كل مشاهد الاحباط وتواتر الخيبات، بالاضافة لإصرار البعض على ابداء الحنين الى زمن الدكتاتورية البغيضة، والذي بات معلنا  لدى شريحة لا يستهان بها في المجتمعات المعنية بالتحولات (الثورية) الحاصلة، تُذكرالنخب السياسية الجديدة بعجزها المستمر عن إحياء الامل في النفوس والاستجابة للمطالب الشعبية وكسب رهان المعركة  من اجل السلام والاستقرار والتنمية وضد الظلم والفساد”.

مخاوف

واعتبرت عضو المجلس التأسيسي (2011-2013) نجلاء بوريال أن هناك خشية على المسار الديمقراطي لأن البناء كان فوقيا، واعتمد على تفاهم بين الحزبين الكبيرين، من دون أن تحصل توافقاتهما على تزكية من المجتمع وقواه الحية، وبخاصة مكونات المجتمع المدني، التي برهنت على حيوية ونضج لا يوجد مثيل لهما لدى النخب الحاكمة. ورأت أن فرصا ثمينة أهدرت منذ انتهاء حكومة الترويكا (2011-2014) وتنصيب حكومة تكنوقراط تركت جميع الملفات عالقة. 

أضافت بوريال أن حكومات الثنائي “النداء- النهضة” لجأت إلى إرجاء الإصلاحات الكبرى للمحافظة على انسجام الائتلاف الحاكم. غير أن الصراعات سرعان ما فتحت ثقوبا عدة في المركب، ما أدى إلى تشكيل أربع حكومات في أقل من أربعة أعوام اثنتان برئاسة المستقل حبيب الصيد واثنتان بقيادة يوسف الشاهد عضو “نداء تونس”. وأكدت أن دستور الجمهورية الثانية يحمل في طياته، ولاسيما في البابين 13 و113، من الآليات والصيغ العملية ما يفتح الطريق للتخلص من المركزية الخانقة، وإرساء ديمقراطية تشاركية وحكم محلي. أضافت أن الحقوق التي حصلت عليها المرأة، ومن بينها التناصف في قائمات المرشحين للانتخابات البلدية غير كافية لضمان تكافؤ الفرص. وضربت مثلا بالنساء الريفيات، مشيرة إلى أن مستواهن التعليمي المتدني يجعلهن غير مطلعات على معنى الانتخابات، واستدلت باستبيان أظهر أن 13.6 منهن فقط لديهن نية للتصويت في الانتخابات البلدية المقبلة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية