مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوجه المظلم للديمقراطية: المنسيون والمستثنون

العداءات الأربع السويسريات لسباق الـ 100 متر
العداءات الأربع السويسريات لسباق الـ 100 متر: (من اليسار إلى اليمين) أجلا ديل بونته، سالومة كورا، سارا أتكو، موجينغا كانبونتشي. يتم نسيان الكثير من النساء الشابات اللواتي ينتمين إلى أصول أجنبية في ديمقراطية سويسرا. Ennio Leanza/Keystone

 تستمد الديمقراطية شرعيتها من وعدها بتمثيل الشعب بصورة متكافئة. إلا أن نظرة نقدية على الديمقراطية السويسرية تظهر بعض أوجه النقص: فالسيدات والشباب وأولئك الذين لا يحظون بتأهيل كافٍ أو دخل جيد، يعانون من عدم تمثيلهم بصورة مناسبة في المؤسسات السياسية.

كما أن الأجانب رجالاً ونساءً محرومون تماماً من حق الاقتراع.

هذه المساهمة هي جزء من منصة DearDemocracy# تلك المنصة التي تتيحها swissinfo.ch  لعرض ومناقشة شؤون الديمقراطية المباشرة. هنا يعبر كتاب عاملون وغير عاملين بالمؤسسة عن آرائهم، ولا تتطابق مواقفهم بالضرورة مع تلك التي تتبناها swissinfo.ch..

 

لا تأتي الحقوق الديمقراطية من السماء، بل إنها منجزات حققها أشخاص يتميزون بشجاعة، دفعتهم للمطالبة بالحقوق السياسية لأنفسهم ولمن حولهم، وللنضال من أجل ذلك.

وتتجسد هذه المساعي لتحقيق المساواة كذلك في سويسرا، مثلما يتجلى لنا بهذه النظرة على الماضي.

فقبل مائة عام بالتمام كان الوضع الاجتماعي والسياسي في سويسرا متفجراً، حيث كانت رائحة الثورة تملأ الأجواء. إذ كان الكثيرون غير راضيين عن أحوال المعيشة والعمل. وبصفة خاصة عمال المصانع الذين كانوا يشعرون وكأن الساسة قد تخلوا عنهم وتركوهم بمفردهم في مواجهة مشكلاتهم.

وقد منحت هذه الأوضاع مسار الحركة العمالية الاشتراكية آنذاك وثبة قوية، مما أشعل الصراع الطبقي في سويسرا أيضاً. وقد استطاع العمال عن طريق فعاليات إضرابية واحتجاجية استفزاز النخبة الحاكمة وأجبروها على القبول بمنحهم بعض الامتيازات.

وبرغم عدم تلبية الكثير من المطالب، إلا أنه قد تحقق لهم الكثير من النجاحات الهامة. ومنها حق التمثيل النسبي الذي اعتمد في عام 1919، فقد كان يعني تغييراً تاريخياً، حيث أن المقاعد في مجلس الشيوخ (الغرفة العليا بالبرلمان الفدرالي السويسري)، أصبحت منذ ذلك الحين توزع بصورة نسبية على القوى الحزبية المختلفة.

ادراج اليسار السياسي…

وكان العدول عن نظام الأغلبية يعني نهاية لسيادة الحزب الليبرالي وهو الحزب المؤسس للدولة، وكذلك مضاعفة عدد المقاعد الحزبية للاشتراكيين الديمقراطيين.

المزيد

المزيد

نساء سويسرا يُسمعن أصواتهن منذ عام 1971

تم نشر هذا المحتوى على في موفى الأسبوع الجاري، يتوجّه الرجال والنساء على حد السواء إلى مكاتب الإقتراع للإدلاء بأصواتهم بشأن أربع قضايا مختلفة معروضة على الإستفتاء الشعبي. لكن لا مفر مندوحة من التذكير بأن الذكور السويسريين لم يُصوتوا لفائدة منح النساء حق التصويت على المستوى الفدرالي إلا في مثل هذا الشهر قبل خمسة وأربعين عاما فحسب.

طالع المزيدنساء سويسرا يُسمعن أصواتهن منذ عام 1971

ونتيجة لذلك فقد حظي ناخبو الأحزاب المنافسة الذين لطالما ظلمهم النظام الانتخابي لزمن طويل، بتمثيل لائق في البرلمان. وبهذا نزع فتيل الأزمة السياسية.

 لكن الحال لم يكن هو نفسه مع النساء…

وكانت إحدى المطالب الأخرى التي رفعتها الحركة العمالية هي حق النساء في الاقتراع. لكن صناع القرار لم يرغبوا في سماع أي شيء بهذا الخصوص. فقط في عام 1971 تم ادراج نصف المجتمع النسوي في حق الاقتراع ـ وكان هذا من قِبل الرجال. ويعني هذا أن النساء في سويسرا ظللن مدة 123 عاماً، يعانين ليس فقط من تمثيل سياسي متدنٍ، بل أنهن لم يكن لهن أي وجود سياسي على المستوى الوطني.

وحتى اليوم فإن النساء يعانين بشدة من التمثيل المتدني في اللجان السياسية، مثلما يبين الرسم التوضيحي التالي:

محتويات خارجية

 التطور الإيجابي

شهدت الفترة التي تناهز الخمسين عاماً منذ إدراج حق النساء في الاقتراع تحسناً ملحوظاً في التمثيل النسائي. وقد ظهر هذا جلياً في الزيادة المطردة في حصة النساء داخل المؤسسات السياسية.

إلا أن الأمر كله نسبي: فإذا ما قسنا هذا التطور على المستقبل، فإن الأمر سيستلزم حوالي خمسين عاماً أخرى، أي نصف قرن كامل، حتى يتلائم تمثيل النساء مع نسبتهم الحقيقية في عدد السكان.

ويرى البعض أن هذا الأمر يستغرق أكثر من اللازم. حيث طالب الاتحاد السويسري العام للنساء في القرن الماضي بـ “المساواة بين الجنسين”، أي بوجود حصة نسائية في الحكومة السويسرية ذات الأعضاء السبعة. والهدف هو: “أن يشعر نصف المجتمع بأنه يُمَثَل تمثيلاً متكافئاً”.

تعتبر أنظمة المحاصصة أحد الأدوات الناجعة والمختلف عليها في ذات الوقت، للحد من عدم تكافؤ الفرص والتمثيل غير المتناسب.

وتصيغ هذه الأنظمة أهدافاً منشودة بعينها على هيئة حصصٍ بحدٍ أدنى للتمثيل، وتفرض عقوبات على مخالفتها.

لكن هذا النظام يسفر عن مشكلتين بالنسبة للاقتراعات السياسية: أولها أن الإرادة الحرة للناخبين تصبح منتهكة، وثانيها أن الحصص الجامدة تتجاهل حقيقة مفادها أن تمثيل المصالح يمكن أن يكون بمنأىً عن الصفات الفردية مثل الجنس والعمر والمهنة.

وهناك إمكانيات أخرى، فعلى سبيل المثال، يمكن إلزام الأحزاب بتشجيع ترشح النساء بصورة فعالة (مثلما يحدث في فرنسا). لكن كي يحدث هذا فلابد من تغيير نظام الانتخاب السويسري. كما يمكن تغيير التمثيل السياسي غير المتكافيء عن طريق اعتماد حق التصويت للأجانب، كما يجري حالياً بالفعل في العديد من كانتونات غرب سويسرا (الناطقة بالفرنسية). أما النهج الآخر فيتمثل في اتخاذ إجراءات تثقيفية.

قفزة نحو قائمة العشر دول الأكثر تمثيلاً للنساء

وفي جميع الأحوال: فإن الحكومة السويسرية قد اقتربت منذ ديسمبر 2018 من تحقيق ميزة جديدة: فالجديد فهو تمثيل النساء في الحكومة بثلاثة سيدات بدلاً من اثنتين، كما كان الوضع في السابق. أي أنه لم يتبق الكثير حتى الوصول إلى النصف، وهو عدد حسابي (فقط)، حيث أن إجماعي عدد المقاعد هو عدد فردي. ولا يوجد سوى تسع دول أخرى فقط يزيد فيها عدد النساء في الحكومة مقارنة بسويسرا، التي تجيء في المرتبة العاشرة عالمياً.

وكلمة “تشعر” هي كلمة محورية في هذا السياق. حيث أنها تُعَبِر عن مثل عليا مثل العدل والمساواة والتقدير، وهي مباديء لا يعتد بها كثيراً من وجهة نظر المعنيين بالأمر.

صرافة شابة من أصول مهاجرة

إلا أن السيدات لا يعتبرن الفئة الاجتماعية الوحيدة التي تعاني من تدني تمثيلها السياسي في سويسرا. فعلى الرغم من أن الأشخاص دون سن الأربعين يمثلون أكثر من 45% من إجمالي سكان سويسرا. إلا أن 13% فقط من ممثلي الشعب في البرلمان ينتمون لهذه الفئة العمرية.

كما أن الأشخاص الذين لم يحظوا بقدر كافٍ من التعليم، وذوي المهن متدنية الأجر، لا يكادون يجدون طريقاً نحو تمثيلهم في البرلمان.

ليست مصادفة

لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون الفئات ذات التمثيل السياسي المتدني، هي ذاتها الأكثر إحجاماً عن المشاركة في الاقتراعات الشعبية، والتي لا تكاد تجد نفسها في المجالس الإدراية، بل يقتصر وجودها على حالات استثنائية من مهام الخدمات الاجتماعية. حيث أن السلطة الاقتصادية والاجتماعية تتركز في شبكات مترابطة مع بعضها البعض بقوة. فالسلطة والنفوذ لا تتوزعان بصورة عشوائية أو عادلة في المجتمع، وإنما يتَّبع هذا التوزيع منطقاً خاصاً.

أما الفئة المستثناة تماماً من حق الاقتراع والانتخاب، فهي فئة الأجانب والذين يشكلون ربع إجمالي عدد السكان. والمسؤول عن هذا الوضع هو تقييد عملية التجنيس. فالعقبات الكثيرة تجعل أناس ينحدرون من عائلات تعيش في سويسرا منذ ثلاثة أو أربعة أجيال ومندمجة فيها على أكمل وجه، لا يتمكنون من المشاركة السياسية.

فالديمقراطية شأنها شأن أي مبدأ اجتماعي وسياسي آخر، لا يمكن تحقيقها إلا بصورة تقريبية. ولكن هذا لا يعني الاستسلام للوضع الحالي وكأنه قدر محتوم.

ذلك لأن التاريخ يعلمنا، أن السلطة والمشاركة والحقوق لا يتم توزيعها كما توزع الحلوى في حفل الكرنفال، وإنما تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والإصرار والمثابرة والحجج المقنعة، حتى تنتزع وتصبح واقعاً.

سلسلة “الغرفة المظلمة للديمقراطية”

تعتبر سويسرا رائدة عالمية فيما يختص بعدد الاقتراعات الوطنية. إلا أن تلك الديمقراطية السويسرية النموذجية لا تحظى بالكمال، برغم اقتراعاتها التي تربو على الـ 620 والتي تمثل “رقماً قياسياً عالمياً”.

في تلك السلسلة يلقي ساندرو لوشر نظرة نقدية على مواطن الداء. وقد درس الكاتب العلوم السياسية في جامعة زيورخ، كما أنه يدير مدونة حول الأحداث السياسية في سويسرارابط خارجي. ويجري أبحاثه حالياً كمعيد في جامعة سانت غالن حول أنظمة الانتخاب داخل الكانتونات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية