مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“القنبلة النووية الإيرانية ليست أكبر تهديد لإسرائيل”.. “مشاكل لبنان لن تحلها الإنتخابات”

صحف
اهتمت الصحف السويسرية الصادرة هذا الأسبوع بقرار الرئيس الأمريكي الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران، ومخاطر اندلاع حرب في سوريا بين إيران وإسرائيل، وسلطت الأضواء على نتائج الإنتخابات البرلمانية في لبنان. swissinfo.ch

هذا الأسبوع، اهتمت الصحف السويسرية بتداعيات قرار الرئيس الأمريكي الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران، كما تابعت نتائج الإنتخابات البرلمانية في لبنان متناولة انعكاساتها على مستقبل البلاد في سياق التغيرات الإقليمية والدولية المتلاحقة.

أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنسحاب من الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران سنة 2015 في عهد سلفه باراك أوباما اهتماما واسعا من طرف الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية.

في افتتاحية منشورة يوم 9 مايو الجاري، اعتبر باسكال بايريفيل في صحيفة “لا ليبرتيرابط خارجي” (الصادرة بالفرنسية في فريبورغ) أن “ترامب يبدو – في سياق مساعيه المحمومة لفسخ آثار حقبة أوباما – أصمّا تجاه الحجج العقلانية. في المقابل، فإنه لا ينسى أبدا أولئك الذين أوصلوه إلى سدة الحكم. ففي الوقت الذي تقترب فيه الانتخابات النصفية (أي المتزامنة مع نصف فترته الرئاسية)، فإن الشريحة الأكثر مُحافظة من ناخبيه ستكون ممتنة له بنجاحه في العثور على كبش فداء للأمراض الحالية التي يُعاني منها العالم (الحرب في سوريا مثالا)، وأمريكا بالتالي”.

مع ذلك، يُضيف كاتب الإفتتاحية، فإن المفارقة تتمثل في أنه على مسافة بضعة أسابيع فحسب، يتم التضحية باتفاق تاريخي في مسار مكافحة الإنتشار النووي في الوقت الذي يُمكن أن يُنجز فيه تقدم في الإتجاه المعاكس قريبا مع “الرجل الصاروخ” الحاكم في كوريا الشمالية. لكن المفارقة ليست سوى ظاهرية، من وجهة نظر الصحيفة، بحكم أن “الضربات الدبلوماسية لترامب لا تستجيب لأي رؤية منطقية”، ذلك أن الرئيس الأمريكي “يبدو – من خلال خضوعه لوهم المكسب الفوري – مستعدا لكل شيء لإرضاء نرجسيته المُعطّلة”.

من جهتها، اعتبرت صحيفة “لوتون” الصادرة بالفرنسية في لوزان أن قرار الرئيس الأمريكي “أغرق الشرق الأوسط في المجهول” وفي حوار نشرته يوم 9 مايورابط خارجي الجاري، اعتبر الخبير جون فرانسوا بايار، الأستاذ في معهد الدراسات الدولية العليا بجنيف، أن “الولايات المتحدة تقوم بتسميم اللعبة الإقليمية” وقال: “من جهة، لدينا بلد – وحسب تقييم مُجمع عليه عمليا، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة النووية – احترم بنود الاتفاق. الجميع متفق على ذلك باستثناء مُسيّري بلدين: الأمريكي دونالد ترامب، الذي لديه علاقة إشكالية مع الحقيقة والإسرائيلي بنيامين نيتنياهو، الذي لديه بدوره علاقة معقدة مع الأمانة. إن ما ينبعث هنا مجددا هي كل المسألة المتعلقة بـ “ازدواجية المعايير”، مثلما هو الحال في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو أيضا الواقع المتمثل في أن (وهنا أستخدم صيغة سبق لي أن استعملتُها) السياسة الخارجية للغربيين تبدأ حيث تنتهي دبلوماسية إسرائيل… وتزداد خطورة هذا الأمر لأنه من الجهة الأخرى – إذا كان هناك بلد ما لم يحترم بنود هذا الإتفاق – فهي الولايات المتحدة تحديدا، وذلك حتى قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض”.

ولدى سؤاله عما إذا كان الوضع الحالي يُمثل بالنسبة لإيران الثمن الذي يتعيّن دفعه بسبب ممارستها لسياسة خارجية يُنظر إليها على أنها عدوانية جدا؟ رد فرانسوا بايار قائلا: “ما يُدهشني هو هذا النوع من عدم التماثل في التصورات، ولا أعرف ما إذا كان ذلك ناجما عن سوء النية أو عن تعصّب إثني مهووس: إن إيران موصومة بشكل منهجي بسبب “تدخلاتها” في منطقة ظلت لاعبا رئيسيا فيها على مدى قرون.. هناك نوع من تشويه الحقائق عن طريق حرمان إيران من شرعية مصالح الدولة في منطقة تنتمي إليها، قبل أن تصبح، في نهاية المطاف، منطقة (خاضعة لنفوذ) أوروبا أو الولايات المتحدة”.

في نفس الحوار، آستدرك جون فرانسوا بايار، الذي ألف عدة كتب من بينها بالخصوص “المأزق القومي الليبرالي: العولمة والإنكفاء الهوياتي” قائلا: “لا يعني ذلك بطبيعة الحال القبول بكل شيء، لكن إذا كانت هناك انتهاكات للقانون الدولي في المنطقة، فهي ليست آمتيازا حصريا لإيران، بل العكس صحيح. لا شك في أن إيران تنتهج سياسة خارجية، بل تتدخل عسكريا في سوريا. أما في لبنان، فهناك حديث عن تدخل في حين أن الروابط القائمة بين هاتين الدولتين تعود إلى القرن السادس عشر على الأقل. كل هذا ليس له علاقة بجمهورية إيران الإسلامية، أو بالإتفاق النووي، لكنه مرتبط بواقع أن إيران مُتوائمة مع الشرق الأوسط، وكذلك مع شبه القارة الهندية أو آسيا الوسطى. إن الزعم بأن إيران أضحت “تتدخل” فجأة في بيئتها الإقليمية ليس سوى طريقة لإعادة كتابة التاريخ”.

“أكبر تهديد لإسرائيل..”

في عددها الصادر يوم 11 مايو الجاري، نشرت صحيفة “لا تريبون دو جنيف” الصادرة بالفرنسية في جنيف مراسلة بعثت بها سابرينا مير من القدس تناولت فيها “ارتفاع درجة التوتر بين إسرائيل وإيران بعد عمليات إطلاق نيران”. فللمرة الأولى، تم إطلاق 20 قذيفة صاروخية نُسبت إلى إيران على مواقع عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة انطلاقا من الأراضي السورية. و”مع أن أي قذيفة لم تنجح في إصابة الدولة العبرية”، كما تقول المراسلة، إلا أن هذا “العمل العدواني” أثار رد فعل كثيف من طرف طائرات سلاح الجو الإسرائيلي التي استهدفت “عشرات الأهداف الإيرانية التابعة لقوات فيلق القدس”، العاملة ضمن الحرس الثوري.   

عوفر زالزبيرغ، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية صرح للصحيفة بأن “قرار دونالد ترامب سرّع هذا التصعيد العسكري. فلحد الآن، تحكّمت إيران في ردود أفعالها بعد ضربات إسرائيلية (سابقة) على أمل تجنّب انسحاب أحادي للولايات المتحدة” (من الإتفاق النووي)، إلا أن مساء الثلاثاء 8 مايو الجاري، شهد أثناء إلقاء الرئيس الأمريكي لخطابه، انتشرت دبابات إسرائيلية، واستُدعي احتياطيون للتعزيز وتمت تقوية الأنظمة المضادة للصواريخ، وفي وقت لاحق أثناء الليل، شن الجيش غارة جوية وُصفت بـ “الوقائية” على قاعدة قرب دمشق أسفرت عن مقتل خمسة عشر شخصا، ثمانية منهم إيرانيون. 

تبعا لذلك، تقول المراسلة، كانت إسرائيل تحبس أنفاسها لأنه سبق لإيران أن وعدت بالإنتقام بعد ضربة 9 أبريل الماضي، المنسوبة إلى الدولة العبرية، على قاعدة “تي فور” (T 4) الواقعة بين مدينتي حمص وتدمر التي حصلت قبل ثلاثة أسابيع من من تدمير مخزن للأسلحة في حماة يوم 29 أبريل. وقد أسفرت هاتان العمليتان في سوريا عن مقتل العديد من كبار الضباط الإيرانيين. في الواقع، تقوم إسرائيل بتكثيف عملياتها لمنع إيران من الإستقرار بشكل دائم في سوريا، ذلك أن “أكبر تهديد لإسرائيل لا يتمثل في القنبلة النووية الإيرانية بل في انغراس إيران قرب حدودها ونقل أسلحة متطورة إلى حزب الله”، حسب رأي ميكائيل كوبلوف، مدير منتدى إسرائيل للسياسات الذي يذهب إلى أن مخاطر اندلاع حرب أصبحت “حقيقية”.

دروس مُستفادة من الإنتخابات اللبنانية

من بيروت، اعتبرت مونيكا بوليغر مراسلة صحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي في العاصمة اللبنانية أن رئيس الوزراء سعد الحريري هو الخاسر الأكبر في هذه الجولة من المعركة النيابية وأن نتائج الإستحقاق البرلماني عموما لن تغيّر الكثير من موازين القوى في البلاد وبالتالي ستبقى الكثير من مشاكل لبنان المرتبطة بهشاشة الدولة معلقة بلا حل.

وفي مقال صادر بتاريخ 7 مايو 2018 أوضحت المراسلة أن “تراجع الدعم السعودي للحريري بسبب فشله في تقويض نفوذ حزب الله وإجباره على الإستقالة من الرياض كان من أسباب تراجع التأييد الشعبي. تيار المستقبل قد يبقى رغم ذلك الأكثر ثقلا في البرلمان اللبناني المؤلف من 128 عضوا، لكنه خسر في الوقت ذاته تحالفه السابق ولم تعد هناك جبهة معارضة موحدة ضد حزب الله وحلفائه”.

مونيكا بوليغر أشارت إلى أنه رغم تقدم حزب الله في هذه الإنتخابات، فإنه لا يملك الأغلبية البرلمانية المطلقة وتحالفه السياسي غير متجانس، لا سيما بعد برود العلاقة مع ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر، الذي خسر مقاعد برلمانية لصالح حزب الكتائب اللبناني. ورأت مراسلة الصحيفة السويسرية أنه “مهما كانت نتائج الإنتخابات النيابية فإن قوة البرلمان اللبناني تبقى محدودة، فهو غالبا ما يصادق على قرارات تم التفاوض عليها خلف الكواليس من قبل النخب السياسية والقوى الدولية”.

في ختام مقالها، كتبت المراسلة: “بالنسبة للبنان، تعتبر الإنتخابات خيبة أمل طالما أن توزيع السلطة لم يتغيّر. أما الحركة المدنية الجديدة، التي التزمت بالشفافية وببرنامج حزبي حقيقي بدلاً من المحسوبية، فلم تفز إلا بمقعدين فقط. ما يزال الحرس القديم من زعماء الأحزاب السياسية في لبنان يتمتعون بنفوذ واسع بسبب الخوف السائد من التدخلات الأجنبية، ولأن ثقافة المحسوبية متجذرة في المجتمع اللبناني. في المقابل تفتقر الحركات المدنية الجديدة إلى الخبرة السياسية اللازمة. يبدو أن مشاكل لبنان كأزمة القمامة وتفشي الفساد وهي ـ أعراض الدول الهشة ـ لن تنتهي في القريب العاجل”.

“لبنان يقف مجددا بين جبهات متعددة”

في مقال مطول نشره بتاريخ 7 مايو، نوه موقع ريبوبليكرابط خارجي إلى أن الجديد في الإنتخابات اللبنانية كان السماح للبنانيي الخارج بالمشاركة في عملية التصويت، كما شهد لبنان لأول مرة التصويت وفق القانون الإنتخابي الجديد المعتمد على التمثيل النسبي. وأشار الموقع – الذي تأسس مؤخرا بفضل تبرعات شعبية من طرف صحافيين مخضرمين – إلى أن الإنتخاب وفق نظام الأغلبية جلب دائما نفس الطبقة والأسر السياسية. ويأمل الكثيرون أن يسمح القانون الإنتخابي الجديد بوصول الأحزاب الصغيرة والسياسين الأقل نفوذا إلى البرلمان.

المقال أشار أيضا إلى أن “التحديات في انتظار الحكومة الجديدة وعلى رأسها أزمة القمامة وانهيار البنية التحتية والإقتصاد المتدهور و مليون ونصف مليون لاجئ سوري والفلسطينيون وسلاح حزب الله، الذي يعني وجود جيشين في الدولة اللبنانية. إضافة إلى التدخلات الإقليمية وتعقيدات الظروف السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة” .

وخلص المقال إلى أن “لبنان يقف مرة أخرى بين جبهات عدة، فهناك سوريا وإيران من جهة وإسرائيل المدعومة من السعودية والولايات المتحدة من جهة أخرى. والتحالف الأخير يفعل كل ما في وسعه لمنع الشيعة من بسط نفوذهم في المنطقة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزعم أنه لديه أدلة على سعي طهران امتلاك أسلحة نووية في محاولة للتأثير على قرارا الرئيس الأمريكي بشأن الإتفاق النووي مع إيران. هذا في الوقت الذي تسعى فيه طهران إلى تجنب التصعيد ولكن السؤال هو : متى ستنفجر الأوضاع في المنطقة”؟

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية