مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما الذي حققته الغارات الجوية الغربية في سوريا؟

الصفحات الأولى لعدد من أبرز الصحف السويسرية
ورد في بعض التعليقات المنشورة هذا الأسبوع في صحيفة سويسرية: "الغريب أن الغرب يميز بين طريقة قتل البشر في سوريا، فمقتل نصف مليون شخص على مدار السبع سنوات الماضية من الحرب الأهلية لا يثير نفس رد الفعل من الاستنكار كما في حال استخدام الأسلحة الكيميائية". swissinfo.ch

اهتمت الصحف السويسرية الصادرة هذا الأسبوع بتداعيات الغارات الجوية الغربية على النظام السوري ومسار الحرب الدائرة في ظل المشهد الإقليمي الحالي كما تابعت أصداء هذا الهجوم في الداخل والخارج السوري.

“المهمة لم تنته بعد”

رأى آلان كاسيدي أن “الضربة الجوية ضد الأسد كانت خطوة صحيحة، لكنها ليست كافية في حد ذاتها وأنها تبعث رسائل مليئة بالتناقضات. فمن الغريب أن الغرب يميّز بين طريقة قتل البشر في سوريا وأن هناك فرقا إذا ما كان الموت جراء هجوم كيماوي أو بالأسلحة التقليدية ، فمقتل نصف مليون شخص على مدار السبع سنوات الماضية من الحرب الأهلية لا يثير نفس رد الفعل من الإستنكار كما في حال استخدام الأسلحة الكيميائية”.

“هذا لا يعني خطأ تنفيذ معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، فالسماح للأسد بقتل شعبه بالمواد الكيميائية دون عقاب يبعث رسالة لمجرمي الحروب بإمكانية فعل كل شيء مع الإفلات من العقاب. فلو لم يعد بإمكان دول العالم أن توافق على هذا المعيار القانوني والأخلاقي، فعلى ماذا سيتفقون إذن؟

النقطة الأخرى، هي أن المهمة لم تنجر على الإطلاق، كما يدعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضربة جوية واحدة لن توقف آلة القتل في سوريا. الضربات الجوية قد تغيّر شيئا إذا شُنت في كل مرة يستخدم فيها الأسد الغازات الكيماوية، حتى لو لم تكن هناك صور للأطفال القتلى. كما يجب أن ترتبط الغارات الجوية بتأييد غربي أكبر للبلدان المجاورة لسوريا وباستقبال اللاجئين (وهو ما أوقفه ترامب) وبزيادة الضغوط على روسيا وإيران. خلاف ذلك، فإن هذه الضربات الجوية – مهما بلغت دقتها – لن تقلل من معاناة الشعب السوري”. 

آلان كاسيدي، صحيفة دير بوند (تصدر بالألمانية في برن)، 16 أبريل 2018. 

“الحرب بين إسرائيل وإيران قادمة”

لم يكد غبار الغارات الجوية على سوريا ينقشع حتى كتبت صحيفة تاغس أنتسايغر الصادرة بتاريخ 17 أبريل 2018 أن هناك حربا جديدة تلوح في أفق المنطقة وتحديدا بين إسرائيل وإيران على الأراضي السورية، فإسرائيل تريد منع طهران من نشر قواتها العسكرية بصفة دائمة على حدودها مع سوريا.  

“كانت هناك خيبة أمل وحالة من الإحباط في أوساط العسكريين الإسرائيليين والمستشارين الأمنيين والسياسيين، لأن الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة كانت محدودة واستهدفت ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية فقط”.

الصحيفة كشفت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حاول عبثا إقناع صديقه دونالد ترامب باستهداف المواقع الإيرانية أيضا. من جهة أخرى، أعلن وزير البنية التحتية الإسرائيلية يوفال شتاينيتس أنه “لا يُمكن السماح بتحول سوريا إلى معسكر للجيش الإيراني”.

“في ظل إعلان الرئيس الأمريكي عزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا في أقرب وقت ممكن، يرى العديد من الخبراء الإسرائيليين أن الضربات الجوية غير كافية لوقف النفوذ المتنامي لإيران في سوريا. وفيما يرى مستشار الأمن السابق ياكوف أميدرور أن الحرب مع حزب الله اللبناني حتمية لا محالة، يدعو الجنرال الإسرائيل تشاك فرايليش إلى ضمان أمن الحدود الإسرائيلية ومنع إيران من بناء قواعد عسكرية لقواتها البرية أو الجوية أو البحرية على الأراضي السورية بأي شكل، حتى لو كان الثمن شن حرب على سوريا أو ضربات جوية تستهدف إيران”.

يأتي هذا في الوقت الذي تتنامى المخاوف في إسرائيل مع إعلان موسكو تسليم نظام دفاع جوي أكثر حداثة للجيش السوري وهو ما يجعل توجيه ضربات جوية لسوريا محفوفا بالخطورة. يذكر أن روسيا لم ترد حتى الآن على أي غارات إسرائيلية على الأراضي السورية على الرغم من أنها تسيطر على المجال الجوي بمنظومتي دفاع جوي من طراز “إس – 400”.

ألكسندر فودرل وباول كروغر، صحيفة تاغس أنتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ)، 17 أبريل 2018.

“الغارات الجوية لها تأثير ضئيل على مسار الحرب”

اهتمت صحيفة نويه تسورخر تسايتوغ الصادرة بتاريخ 16 أبريل 2018 بأصداء الغارات الجوية في دمشق وخارجها وقالت مراسلة الصحيفة في بيروت إن النظام السوري حرص على ترويج انطباع بأن الحياة اليومية تأخذ مجراها في دمشق عبر نشر وكالة الأنباء السورية سانا مقطع فيديو للرئيس السوري وهو يسير نحو مكتبه في هدوء، فيما خرجت مظاهرات رافعة الأعلام السورية والروسية في شوارع العاصمة.   

“دمشق كانت مستعدة للهجمات، حيث تم إخلاء القواعد العسكرية التي استهدفتها الغارات الجوية بقيادة واشنطن. من جهة أخرى، رحب بعض المعارضين السوريين بالضربات العسكرية، فيما أعرب آخرون عن إحباطهم بالقول. “يُمكن للأسد أن يواصل قتلنا ما لم يستخدم أسلحة كيميائية”. الغارات الجوية لها تأثير ضئيل على مسار الحرب، بل إنها تتيح لبشار الأسد تصوير نفسه على أنه حاكم لا يزعزع كيانه الضربات العسكرية.

من جهة أخرى، قالت وزارة الخارجية السورية إن هجمات الحلفاء عرقلت عمليات التفتيش على الأسلحة الكيميائية في مدينة دوما. وتزعم كل من موسكو ودمشق أن هجوم الغاز مُدبّر من جهات معينة وأن الهدف من الهجمات الجوية هو إخفاء آثار هذه الجريمة. على أي حال، كان لدى النظام وحلفائه متسع من الوقت لمحو أي آثار قبل وصول المفتشين الدوليين، حيث سيطرت القوات الروسية على المدينة يوم الخميس (12 أبريل)، ودخلتها القوات السورية يوم السبت الماضي (14 أبريل). ومنذ ذلك الحين، تم ترحيل الفصائل المسلحة والعديد من المدنيين من المدينة”.

مونيكا بوليغر، صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في زيورخ)، 16 أبريل 2018.

“طبيعة الجغرافيا السياسية تمقُت الفراغ”

في مقالة تحليلية ملفتة نشرها في صحيفة “لوتون” بتاريخ 20 أبريل 2018، اعتبر ألان كامبيوتي أن “الغارة الخجولة للغربيين تُظهر أن القوة في الشرق الأوسط قد تغيّرت من معسكر إلى آخر”. فمن وجهة نظره، يُمكن القول أن “الهجوم الذي نُفّذ الأسبوع الماضي ضد سوريا قد أدى مهمته: تدمير ثلاثة مباني “كيميائية” فارغة بعد التأكد من أن أحدا لن يُقتل أو يُجرح. أما الإحتجاجات الناعمة الصادرة عن روسيا وإيران وسوريا نفسها فقد أشادت بالإنجاز على ما كان عليه أي (بوصفه) اقرارا بالضعف”.

لكن ألا يُمكن النظر إلى عملية ضبط النفس هذه، وسط هدير القنابل، على اعتبار أنها “انفتاح دبلوماسي”؟ يرد كامبيوتي بأنه ليس سوى “وهم جميل”، مضيفا أنه “بعد الغوطة في ضواحي دمشق، سيأتي دور درعا في الجنوب، ثم جيبُ إدلب في الشمال. أما في الشرق فلن يتمكن الأكراد – الذين تخلى عنهم حليفهم الأمريكي – من البقاء طويلا فوق أراض عربية. ذلك أن عملية إعادة السيطرة (على البلاد) هي المشروع المُعلن لبشار الأسد وحلفاؤه. فقبل الهجوم على مشارف دمشق، وعد سيرغي لافروف الوزير الروسي للشؤون الخارجية بذلك بنفسه: سنفعل في الغوطة كما فعلنا في حلب”.

اليوم، يُمكن للمنتصرين القول بأن “القوة تنفع”، لكن الكاتب عزا هذه الثقة (أو الإطمئنان) إلى سبب آخر يتلخص في أن المعسكر المقابل، أي الديمقراطيات الغربية، التي نفذت هجوم السبت (14 أبريل 2018)، والتي كانت تُدين في عام 2011 قساوة الأسد ضد شعبه المنتفض وتُعلن عن سقوطه، قد استبعدت الإنتقال من الأقوال إلى الأفعال”، بل إن الأمور تسير وكأن “المُهيمنين السابقين قد وضعوا أسلحتهم”.. ومع أن “هذا التحفظ (في اللجوء إلى استخدام السلاح) مُرحّب به ربما، لكن طبيعة الجغرافيا السياسية تمقُت هذا الفراغ: فالضعف يجتذب قوة أخرى”، كما يقول كامبيوتي.

من جهة أخرى، شكّل هذا التحفظ الغربي مصدر إلهام لفلاديمير بوتين أولا، الذي نجح “من خلال التأقلم مع هذا المعطى الجديد – وبفضل قدرة تكتيكية كبيرة – في تحقيق مكاسب من جورجيا إلى سوريا، بالقوة وبالحيلة”، حيث “تمكن من الإستيلاء على (شبه جزيرة) القرم، ثم مسح عمليا الحدود الشرقية لأوكرانيا لأنه فهم أن مقاومة (الطرف الغربي) لن تكون إلا لفظية بالأساس”. أما في سوريا، فقد كان “تراجع باراك أوباما ودافيد كاميرون في عام 2013، بعد هجوم كيميائي أول، تأكيدا بالنسبة للرئيس الروسي على أن بإمكانه الحفاظ على موطئ قدمه العربي وتطويره دون أي معارضة، من خلال ترتيب انتهازي مع ديكتاتور دمشق وجمهورية إيران الإسلامية الجشعة”، كما يقول كامبيوتي. وبالفعل، “كان هذا التحالف ضروريا لعكس الموجة التي كادت أن تُطيح بالأسد بواسطة الأسلحة: أي القوة الجوية الروسية مُضافة إليها الميليشيات الشيعية القادمة من إيران والعراق ولبنان، التي حشدها قاسم سليماني”.

هذا اللواء في الحرس الثوري الإيراني الذي يُلقبه البعض بـ “الرجل الأقوى في الشرق الأوسط” يُمثل “المُنتج الأكثر سُطوعا لخيبات الغربيين وانسحاباتهم” في المنطقة، حسب تأكيد آلان كامبيوتي الذي وصفه أيضا بالشخص “اللامع والمثقف”، إضافة إلى أنه “مُتعامل بنجاعة مع العنف، متواجد على كل الساحات العسكرية من حلب إلى الموصل، حيث قام بتثبيت نظامي بغداد ودمشق المهتزّيْن، بعد أن أسهم في استنزاف الحملة العسكرية الأمريكية في العراق وإخراجها منه”.  

في الختام، يُلفت كامبيوتي إلى أن “المغامرة الإيرانية فوق أراض عربية من بلاد الرافدين إلى البحر الأبيض المتوسط، لن تدوم بلا ريب، كما أن النجاح الروسي في سوريا سيُواجه الكثير من الإضطرابات. مع ذلك، فإن الأرض تُكتسب في الشرق الأوسط من طرف من يستخدم القوة بطريقة تتسم بالتصميم، وليس من طرف الذين يحتفظون بقوتهم”.

ألان كامبيوتّي، صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان)، 20 أبريل 2018.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية