مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الشتاء العربي الطويل”.. و”طائرات ورقية حارقة تُحيّر إسرائيل”

صفحات أولى لست صحف يومية سويسرية
تناولت الصحف السويسرية الصادرة هذا الأسبوع ظاهرة الطائرات الورقية الحارقة التي يقوم شبان من غزة بإرسالها منذ نحو ثلاثة أشهر فوق المزارع الإسرائيلية المُجاورة للقطاع، كما نشرت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ مقالا مهما لمونيكا بوليغر، استعرضت فيه خلاصة تجربتها كمراسلة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط على مدى سبعة أعوام. swissinfo.ch

في ختام عملها كمراسلة لأهم صحيفة يومية سويسرية من بيروت، نشرت مونيكا بولّيغير مقالا طويلا استعرضت فيه خلاصة تجربتها في الشرق الأوسط التي استمرت سبعة أعوام. في الوقت نفسه، أثارت ظاهرة الطائرات الورقية الحارقة التي يقوم شبان من غزة بإرسالها منذ نحو ثلاثة أشهر فوق المزارع الإسرائيلية المُجاورة للقطاع وإثارة الحرائق فيها اهتمام عدد من الصحف السويسرية الصادرة هذا الأسبوع.

في عددها الصادر يوم 29 يونيو الجاري، نشرت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي تحليلاً سياسيّاً اجتماعيّاً ثقافيّاً لما يحدث في الشرق الأوسط ولردود فعل العالم على ذلك، بقلم مراسلتها في بيروت مونيكا بولّيغير بعنوان “الشتاء العربيّ الطويل.. ينتهك الطغاة والمتطرفون حركات الديمقراطية، ولكن لا يزال هناك سبب للإحتفاظ بالأمل”، وضعت فيه الصحفيّة، التي تركت مع هذه المقالة العمل في اليومية الأشهر في سويسرا، عُصارة خبرتها الإعلامية حول المنطقة.

“التيئيس من احتمال ثالث”

بالنسبة لبولّيغير أصبح الحديث عن مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وسيلة “لتجريد كلّ معارض من صفة الإنسانية”، وكأن الحكومات العربيّة أخذت هذه الطريقة عن السيّاسيّين الإسرائيليّين، حيث كانوا يتحدثون عن الإرهاب لمجرّد “قيام فلسطينيّة شابّة، في السادسة عشر من عمرها، بصفع أحد جنود الإحتلال”، بحسب تعبيرها. فيقال بأن النّظام السوري مدعوماً من روسيا وإيران يكافح المتطرّفين الإسلاميّين، فيقتل في طريقه المعتدلين والمعارضين السلميّين، في المقابل يحارب الإسلاميّون مدعومين بأموال من دول الخليج العربيّة وتركيا “النّظام الوحشيّ الذي عذب وقتل في سجونه الآلاف…، وفي الوقت ذاته يقومون بانتهاك حقوق الإنسان”. كما تقاتل السّعوديّة والإمارات العربيّة في اليمن قواتَ الحوثيّين الإرهابيّة في نظرهم والمدعومة من إيران، “وفي الوقت نفسه تجد السلفيين يقاتلون في صفوفهم، وهم لا يقلّون تطرّفاً عن الحوثيّين”، كما تقول بولّيغير، كما “يصفّي نظام السّيسيّ في مصر إلى جانب المتطرّفيّن الإسلاميّين الآلاف من الأتباع العاديّين للإخوان المسلمين والعلمانيّين والصحفيّين والمدافعين عن حقوق الإنسان”. كلّ ذلك تحت شعار مكافحة الإرهاب. في هذا الصدد، ترى بولّيغير أنّ هدف أصحاب القرار في منطقة الشرق الأوسط هو تدمير كل أمل لوجود احتمال ثالث، غير الإضطهاد والعبوديّة من قبل الأنظمة كاحتمال أوّل أو الجهاديّين والحرب كاحتمال ثان.

هويّات قاتلة

تذكّر الصحفيّة الخبيرة في منطقة لبنان وسوريا أيضاً بأنّ الحكومات الطاغية قامت بتقليص الإنسان على فكرة مذهبيّة واحدة، وأطلقت على هذه العملية “الهويّات القاتلة”، مستعيرة بذلك مصطلح الكاتب اللبناني أمين معلوف في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه. حيث كتب معلوف أنّ مجموعة معيّنة قد تنتج بعض المجرمين إذا ما أحسّت بأن مجموعة منافسة تحاول القضاء على وجودها وسلبها هويّتها، وعلى حسب تعبير بولّيغير، هذا ما حصل عندما رفع العلويون في سورية السلاح في وجه السّنة إذ قيل لهم إنّ السنة سيقومون بإبادتكم، ومن جهة أخرى رأى السنة في “العلويّين وجه النّظام الوحشيّ المجرم” فأرادوا هم أيضاً التّخلص منهم. “ولنفس السبب هتف المصريّون للمذبحة التي أقامها الجيش المصريّ بحقّ الإخوان المسلمين”. وفي هذا السياق، لا تنسى مونيكا بولّيغير أن تعارض الرأي القائل بأن العداء بين الأديان حقيقة تاريخيّة بحجّة أنه لو كان الأمر كذلك لما وُجدت هذه التّعدديّة المذهبيّة والدينيّة التي نراها اليوم، وتطالب بتبديل ما أسمته بـ “هذه الموضة” (أي أن الصراع ديني مذهبي) بحالة يحصل فيها الجميع على حياة كريمة وآمال لمستقبل أفضل.

“إما السيناريو الإماراتي أو حكم الميليشيات”

ترى بولّيغير أن لا أحد من أصحاب القرار في المنطقة يرغب بتقديم حلّ لصالح الجميع، وليس هناك إلّا إمّا السيناريو الإماراتيّ أي “مجتمع اللّهو ودولة المخابرات، حيث يستطيع المرء الإستهلاك ولكن عليه أن يُغلق فمه، وتشترك الإمارات فيه مع صديقها محمد بن سلمان في السعوديّة” أو سيناريو تفكك الدولة وحكم الميليشيات، بحسب قولها.

الصحفيّة السويسرية لا تريد تحميل جيل الشباب في العالم العربسي مسؤولية هذا الوضع، فهي تتفهم قلة خبرته السياسة كونه عاش طوال حياته في ظل الإضطهاد واعتاد الصمت. في الوقت نفسه، تنصح بولّغير بالتوقف عن البحث عن أسباب حضاريّة لفشل التجارب الديمقراطيّة في العالم العربي، وترى أن التاريخ يعلمنا بأنّ الحضارات تتغيّر وتتبدّل بمرور الوقت، و أنه “لا داعي لأن نشغل أنفسنا بسؤال الدجاجة والبيضة، في التساؤل عن الحاجة في بداية الأمر للنّزعة الديموقراطية أو للنّظام الديمقراطيّ؟”، بل ترى أن احتمال وجود كامل مقوّمات الديمقراطيّة في مجتمع ما قبل قيام دولة القانون “ضئيل جدّاً”.

في نهاية مقالتها، تحاول بولّيغير أن تُدخل القارئ في أجواء الحياة في بلدان الشرق الأوسط من خلال ذكر بعض التجارب اليوميّة للإنسان العادي هناك، فتدعو من لا يصدّق صعوبة نشر الديمقراطيّة في تلك الدّول إلى قضاء بعض الأشهر هناك، ليُعايش الغدر في أبسط الأشياء كاستئجار بيت بلا واسطة مثلا، أو المراقبة والملاحقة من غير سبب أو بسبب كلمة خرجت بلا قصد وبعفويّة، أو لمجرد تواجده في المكان الخطأ في الزمان الخطأ وحسب.

الغير والمستقبل

مع كل هذا، تدعو المراسلة السابقة إلى النظر إلى ما وراء التحليلات العظيمة ومُعاينة الناس الحقيقيّين المتواجدين في هذه المجتمعات، وتجاوز النّظر إليهم كمجاهدين أو مُحاربين وحملة كلاشنكوف. ولا ضير – بحسب بولّيغير – من التركيز من حين لآخر على “جانب الفن الرخيص الذي نعشقه”، كالسّوريّ المسلم مثلاً الذي يشتري شجرة عيد ميلاد لأنّه وجدها جميلة. وهنا تقول بولّيغير: “عندما نسمع كلمة الشرق الأوسط نفكر بالحرب والإحتلال والفقر والتّطرّف، كلّ هذا هو جانب من الحقيقة السّياسيّة هناك، وينسى المرء أحياناً أنّ هناك أناس لديهم أحلام أخرى ولا يفكرّون في كل صباح بمجرد استيقاظهم، أين سنمارس العنف اليوم، ولكن كيف يمكنهم النجاة والحفاظ على عقولهم سليمة والتخفيف من صعوبة وقساوة حياتهم اليوميّة”. 

مونيكا بولّيغير تضيف العديد من الأمثلة لتلفت الإنتباه إلى ما تخفيه الأحداث السياسية الجارية في المنطقة وتحاول التركيز على الجانب الإنساني في كل هذا. فتذكر الفنّانين في اليمن الذين يُقيمون – إلى جانب الميليشيات والحرب القائمة – معرضاً فنيّاً بجوار الخرائب والأنقاض، وبالسوريّين في إدلب الّذين يؤسسون في حصن الجهاديين وتحت قصف النّظام مدرسةً للتدريب المهني، لأنهم يعتقدون أنّ التّعليم لا ينتظر، والنّاس في غزّة الّذين يلعبون ضاحكين في ماء البحر مباشرة بعد آخر حرب لهم مع إسرائيل. وترى الصحفيّة، الّتي كانت هذه المقالة آخر ما كتبت لصحيفة نويه تسورخر تسايتونغ الصادرة بالألمانية في زيورخ، أنّ ذلك لا يختلف عن أماكن كثيرة حول العالم، حيث ينشغل المرء بأمور الحياة اليوميّة ويتلهّى بالضحك والرّقص لينسى مشاكله الكثيرة ويتخلّص من الجراح والصدمات النّفسيّة.

“هذه المبادرة لا علاقة لها بحماس أو فتح”

بدون تخطيط مُسبق حسبما يبدو، سلطت صحيفتان سويسريتان تصدران بالفرنسية في مدينة لوزان الضوء على تفاقم ظاهرة الطائرات الورقية الحارقة التي يقوم شبان من غزة بإرسالها فوق المزارع والحقول الإسرائيلية المُجاورة للقطاع وإثارة الحرائق فيها.

في البداية، تساءلت صحيفة “24 ساعة”رابط خارجي في عددها الصادر يوم 25 يونيو 2018 “من كان يتخيّل أنه يُمكن لأطفال مسلحين بمجرد طائرات ورقية إلحاق الهزيمة بواحد من أعتى الجيوش في العالم؟”، ثم لفتت إلى أن “هذه الألعاب التي تم تحوير وظيفتها المرحة – والتي لا يُمكن للجيش الإسرائيلي رصدها – ألحقت في أقل من ثلاثة أشهر أضرارا فادحة”، حيث أدت هذه العبوات الحارقة إلى “تحويل 2500 هكتار من الأراضي الزراعية الحدودية مع قطاع غزة إلى رماد”.

في معرض ردها على أسئلة الصحافي يانيك فان در شورين، اعتبرت السيدة ليلى شهيد، السفيرة السابقة للسلطة الوطنية الفلسطينية لدى الإتحاد الأوروبي، أن “هذا التحرك التلقائي لشباب غزة يأتي مواصلة لمسيرة العودة الكبرى التي بدأت بمظاهرات أسبوعية في نهاية شهر مارس وأدت إلى مقتل أكثر من 130 فلسطيني وإصابة سبعة آلاف آخرين بجروح”.

السفيرة الفلسطينة السابقة أضافت أنه “على عكس ما تزعم إسرائيل، فإن هذه المبادرة لا علاقة لها بحماس أو فتح. على العكس من ذلك، فهذه الثورة المنبثقة من المجتمع المدني مُوجّهة ضد ما أسميها المؤسسات التقليدية للفلسطينيين”. وبعد أن أشارت إلى أن سكان قطاع غزة هم “الأكثر تضررا من الإحتلال العسكري الإسرائيلي”، ذهبت إلى أن رسالة هؤلاء الشبان واضحة “فهم لم يعودوا مؤمنين بما يسمى الكفاح المسلح لحماس التي ترسل قذائف على سكان مساكين في (مستوطنة) سديروت ولا بخطاب السلطة الفلسطينية التي أغدقت عليهم الوعود لكنها لم تضع أقدامها في غزة منذ أحد عشر عاما”.

وبعد أن شرحت ليلي شهيد، التي شغلت أيضا منصب المفوضة العامة السابقة للسلطة الوطنية الفلسطينية في فرنسا، أن الإستراتيجية الجديدة التي اختارها منظمو مسيرات العودة جاءت في أعقاب الجدل الداخلي الذي أثاره سقوط العشرات من الضحايا قالت: “إنها طريقة (الجيل الجديد) لإبلاغ الإسرائيليين بأنه لا يُوجد شيء يُمكن أن يمنعهم من ابتكار أساليب جديدة للمقاومة. كما أن هذه الرسالة موجّهة للمجموعة الدولية وللبلدان العربية التي تدّعي التفاوض حول اتفاقية سلام في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني”. 

“حقائبنا جاهزة”

في عددها الصادر بتاريخ 28 يونيو 2018، اهتمت صحيفة “لوتونرابط خارجي” بنفس الموضوع ولكن من خلال تحقيق ميداني أنجزته مراسلتها ألين جاكوتيه في مستوطنة ناهال أوز الإسرائيلية، في المنطقة المحاذية للحدود مع قطاع غزة. وبلغة الأرقام، أفادت المراسلة أن الطائرات الورقية الحارقة المُرسلة من طرف غزاويين “أسفرت عن نشوب ما لا يقل عن 463 حريقا وقتلت آلاف الحيوانات وأحرقت 25 كلم مربع من الأراضي”.

أورلي أمسلّم، أصيلة مرسيليا (جنوب فرنسا) والمسؤولة عن صحة وأمن سكان مُوشاف (أي مجموعة تعاونية زراعية) يافون الواقعة في نقطة التّماس بين حدود قطاع غزة ومصر قالت لمراسلة الصحيفة السويسرية: “عندما قدمتُ إلى هنا قبل ثلاثين عاما كانت المنطقة عبارة عن حفرة، أما اليوم فقد أصبحت حفرة هائجة للأسف”، وأضافت أن “الحياة هنا فردوسية بنسبة 95% وجهنمية بنسبة 5%”.

في مراسلتها، لفتت جاكوتيه إلى أن المنطقة شهدت “خلال السنوات الثلاث الماضية أقوى نسبة نمو ديموغرافي” في الدولة العبرية من خلال استقطابها لأعداد متزايدة من العائلات. وأشارت إلى أنه “من مصلحة الدولة أن تُساعد هذه المنطقة التي توفر 60% من الإنتاج الزراعي لإسرائيل”، لذلك تُبذل كل الجهود لاجتذاب الطبقة الوسطى من خلال “إيجارات بأسعار لا تُضاهى وإعفاءات من الضرائب وعلاوات لفائدة الأطفال…”.

ولكن ما الذي تعنيه هذه الحوافز مقابل (خطر) الموت؟ تُجيب نعومي أدلير، التي استقرت رفقة زوجها ومولودها في المنطقة قبل تسعة أشهر فقط: “في كل مرحلة من حياتي التقيت بشخص يُريد أن يطردني من بيتي أو قتلي. فأن أكون يهودية، أن أكون إسرائيلية، يعني تجاوز هذا الخطر من أجل السير قدما إلى الأمام”.

في المقابل، لا يعتقد جيهان بيرمان، وهو مزارع قدم قبل سنوات من بروكسل (بلجيكا) ويُقيم حاليا في كيبوتس أفشالوم، الذي يبعد ثلاثة كيلومترات ونصف عن قطاع غزة، أن السلام سيتحقق قريبا لذلك فهو مستعد لكل الإحتمالات بل يؤكد أنه في صورة اندلاع نزاع جديد فإن حبّ الأرض لن يغلب عنف البشر، لذلك فإنه سوف يرحل رفقة عائلته… حتى موعد التهدئة المقبلة.. واختتم قائلا: “حقائبنا جاهزة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية