مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

موسكو تعزف موسيقى “السلام الروسي” في سوريا

صفحات أولى لست صحف يومية سويسرية
نشرت صحيفة التاغيس أنتسايغير يوم الخميس 23 أغسطس تقريراً عن الأوضاع في محافظة إدلب وعن مستقبل سوريا عموماً. swissinfo.ch

هذا الأسبوع، اقتصر اهتمام الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية بالشؤون العربية على الملف السوري. وفيما ركزت صحيفة "لا ليبرتي" الصادرة يوم 13 أغسطس الجاري في فريبورغ على المُواجهة المُرتقبة بين قوات بشار الأسد والمجموعات المسلحة التي جرى تجميعها طيلة السنوات الماضية في محافظة إدلب شمال غرب البلاد من خلال طرح أربعة أسئلة محورية ومحاولة الإجابة عليها. 

أما في الصحف الناطقة بالألمانية، فقد نشرت تاغس أنتسايغر عرضا مفصّلا لخلفيّة ومجريات الإحتجاجات من طرف الأقليات العربية ضدّ القانون الجديد الصادر في شهر يوليو الماضي والذي منح صفة اليهوديّة لدولة إسرائيل.

“بشار يستهدف إدلب.. ولكن”

تحت هذا العنوان حاول تيارّي جاكوليه من صحيفة “لا ليبرتيه” شرح استعدادات النظام السوري لما وصفها بـ “أم المعارك” ونقل عن فابريس بالانش من جامعة ليون 2 الفرنسية قوله: “يُفترض أن يقوم بشار بشن هجوم محدود لاستعادة الضاحية الغربية لحلب وسهل الغاب ومدينة جسر الشغور الحيوية بالإضافة إلى شمال حماة”. في المقابل، اعتبر جوشوا لانديس، الأستاذ بجامعة أوكلاهوما الأمريكية ومدير مركز الدراسات حول الشرق الأوسط فيها أن “الحضور التركي يُمثل العقبة الأكثر صعوبة للإلتفاف حولها”.

الصحيفة أشارت إلى أن الرئيس التركي رجب أردوغان قد يسمح للقوات المُوالية للنظام في دمشق باستعادة جنوب المحافظة، إلا أنه لا مجال لوصولها إلى قلب منطقة نفوذه في سوريا شمالا (بما في ذلك مدينة ادلب)، فيما ذهب فابريس بالانش إلى أن “دمشق لن تتمكن من استعادة هذه المنطقة الحدودية لأن تركيا تريد منطقة عازلة لتجنب تدفق لاجئين جدد على أراضيها وترغب في حماية بعض مجموعات المتمردين”.

في إجابة على سؤال: “من له مصلحة في التوصل إلى حل سلمي؟”، أجابت الصحيفة أن السوريين والروس والإيرانيين يريدون استعادة الجيب المتمرد “بدون قتال إن أمكن”. وفي هذا الصدد، يُشير سهيل بلحاج، الباحث في معهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جنيف إلى أنه “من الناحية العسكرية، يود النظام وحلفاؤه تجنب خوض معركة كبرى، ولهذا السبب فإنهم مستمرون بالنشاط على المستوى الدبلوماسي”، ويضيف أن المعسكر الموالي لبشار الأسد “لا يسعى للقضاء نهائيا على المتمردين ولكن إلى نزع إمكانية خوض القتال منهم”، لذلك فإن تركيا التي تحتفظ بموطئ قدم في كل معسكر قد تلعب دور الوسيط، ما يدفع الباحث ومؤلف كتاب “سوريا بشار الأسد، تشريحٌ لنظام استبدادي” للقول: “أرى أنه يتم حاليا منح الأفضلية لنهج تسوية مع تركيا التي تلعب دور الوسيط في المفاوضات”.

وما هي طبيعة الاتفاق الذي يُمكن أن يتم التفاوض عليه؟ ترى الصحيفة أن بشار الأسد قد يكتفي باستعادة جنوب محافظة إدلب مع ترك تأمين المدينة وشمال المحافظة للقوات التركية بما يسمح لأنقرة الإحتفاظ بمواقع نفوذ ترابية داخل سوريا على غرار منطقة النفوذ التي تُوجد لديهم منذ فترة في شمال حلب “ولكن ليس على المدى المتوسط والطويل لأن ذلك يُمكن أن يُوجد سابقة خسارة للسيادة الترابية وهذا سيحول دون “انتصار” الأسد في الحرب”، كما يشدد سهيل بلحاج.

أخيرا، في مقابل “حماية” تركيا، يقوم المتمردون بتسليم أسلحتهم الثقيلة إلى أنقرة وهو ما من شأنه أن يُقابل بالرضى من جانب دمشق بالنظر إلى افتقار المسلحين حينها للقدرة على الإيذاء، يختتم تيارّي جاكوليه مقالته. 

“الباكس روسيانا”

في عدديها الصادرين يومي الخميس 16 والجمعة 17 أغسطس الجاري، سلطت صحيفة “لوتون” – من خلال مراسلتين لمبعوثها الخاص إلى سوريا وافتتاحية رئيسية – الأضواء على تفاصيل “الباكس روسيانا” أو “السلام الروسي” الذي تجتهد موسكو في التوصل إليه في سوريا.

بعد أن نقل إيمانويل غرينسبان في تقريرين منفصلين صورة حيّة عن الصعوبات والمخاوف التي تكتنف عودة أعداد محدودة جدا من اللاجئين السوريين من لبنان المجاور وعن النشاط الحثيث للشرطة العسكرية الروسية في المنطقة المُحاذية لهضبة الجولان المحتلة بين دمشق وإسرائيل، كتب لويس ليما في الصحيفة الصادرة بالفرنسية في لوزان، افتتاحية تحت عنوان (موسيقى “الباكس روسيانا”) تحدث فيها عن قيام روسيا خلال الأسابيع الأخيرة بترتيب “إخراج مسرحي” لعودة بضع مئات من اللاجئين السوريين إلى بلادهم تحول فيه التمرين الإعلامي للجيش الروسي في بعض الأحيان إلى ما يُشبه التهريج السمج، لكن هذا لا يهم! ذلك أن المسألة الأساسية بالنسبة لموسكو لا تكمُن هنا، بل في كتابة صفحة جديدة، وترسيخ الإنطباع في الأذهان بحلول “السلام الروسي” المُعلن عنه في أكثر من مناسبة”.

في افتتاحيته، ذكّر لويس ليما بأن “لا شيء صمد بوجه تصميم روسيا وأمام عمليات قصفها القاتلة وتجاه دعايتها والقدر الثابت من سوء نيتها. ففي الجزء الرئيسي من سوريا نجحت – بمساعدة الإيرانيين – في استعادة الأراضي التي خسرها النظام الدموي السوري حتى وإن تطلب الأمر تحويلها إلى ساحة شاسعة من الأطلال”. وأضاف أن “الدخول الروسي العنيف في الحلبة أدى إلى ردع ملكيات الخليج. في الجنوب، أخضعت روسيا الأمريكيين والإسرائيليين والأردنيين. وفي الشمال الشرقي أطاحت بالأكراد الحلفاء غير المحظوظين للولايات المتحدة التي يقودها ترامب. ومع أن الحرب السورية لم تنته بعدُ إلا أن زهر النرد ألقي بعدُ”، كما يُقال.

“المعركة الكبرى الأخيرة، إذا ما حصلت، ستدور في إدلب، في هذه المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد حيث يتجمّع أكثر من مليوني شخص.. لكن هنا أيضا تحتك روسيا بمنافستها الأخيرة في المنطقة: تركيا.. ولسلسلة من الأسباب، لا يُمكن لأنقرة أن تسمح بسقوط أدلب وإلا فإنها تُخاطر بفقدان ماء الوجه وبمضاعفة أعداد اللاجئين السوريين فوق أراضيها وبحرمان نفسها من أي وسيلة للتدخل في سوريا من أجل الحيلولة دون إنشاء محتمل لكردستان بحكم ذاتي..”

هنا يلاحظ كاتب الإفتتاحية أنه “في الوقت الذي يحلم فيه النظام السوري بحسم الموقف مع إدلب، تبدو اللعبة دقيقة بالنسبة لموسكو. ذلك أن تركيا توجد اليوم تحت رحمتها… ولو تعلق الأمر بالروس فحسب، فإن القضاء على آخر منطقة متمردة ليس بالأمر المستعجل. لذلك يجب – في الإنتظار – توجيه الأضواء بعيدا أي باتجاه الساحات التي تُظهر “عودة إلى الوضع الطبيعي”. لذلك فإن السيناريو المكتوب هو التالي: ففي حين قام الروس رفقة حلفائهم بتدمير كل شيء، سوف يتعيّن على الأوروبيين الآن تمويل إعادة الإعمار. فلكلّ دوره!”. 

“موقف دروز إسرائيل”

في عددها الصادر يوم 14 أغسطس بالألمانية في زيورخ، خصّصت صحيفة تاغس أنتسايغر  صفحة كاملة لعرض مفصّل لخلفيّة ومجريات الإحتجاجات ضدّ القانون الجديد الذي أعطى صفة اليهوديّة لدولة إسرائيل، والمستمرة منذ صدور القرار أوائل شهر يوليو من قبل الأقلّيّات العربيّة في الدولة العبرية. ومن بين هذه الأقلّيّات نجد الدّروز “الذين يُعدّون عرباً ولكنهم يميّزون أنفسهم عن العرب بأنهم لا يُطالبون بدولة فلسطينيّة مستقلّة”، بحسب أليكساندرا فوديرل شميد كاتبة المقالة. 

تشرح شميد الموقف الدّرزيّ من القانون الجديد من خلال مشهد هجوم أمير خنيفيس، الخبير السياسي ومؤسس معهد الدّراسات الدّرزيّة في حيفا، على أفي ديشتير، رئيس المخابرات الإسرائيليّ، ومحاولته الوصول إليه وضربه بلكمات تلقاها عنه حرّاسه الشّخصيّين. هذا المشهد يعبّر عن خيبة أمل الإسرائيليّين الدّروز من القانون وعن رفضهم له، وربما من الجدير بالذكر أن خنيفيس ذو طبيعة هادئة ومسالمة جدّاً، بحسب فوديرل شميد، ولكنّه في هذا السّياق لم يسعه إلّا التّعبير عن نفسة على هذا النّحو، فهو لم يجد حلّاً آخر، حيث أنّ الدّروز، بحسب تعبيره، يُعانون طوال الوقت من التّمييز العنصري، علماً بأنّهم يشكلون نسبة 1.6% من الشعب فيما تزيد نسبة العرب الفلسطينيين عن 20%. ومع ذلك يُهمل القانون الجديد حقوق غير اليهود بالإنتماء إسرائيل كدولة قوميّة لهم. وتضيف فوديرل شميد أنّ “إسرائيل فوجئت بخروج الدروز إلى الشوارع وبردّة فعلهم القوية المعارضة للقانون، حيث خرج ما يقارب 100000 شخص إلى الشوارع في تل أبيب منهم 15000 درزي”، بحسب تقدير خنيفيس. 

أما بالنّسبة إلى عرب إسرائيل من الفلسطينيّين، فقد كان لهم ردّ مشابه حيث شكّلوا أغلبيّة المشاركين في هذه المظاهرات في حيفا، وهو المكان الذي تحدث فيه عادة مثل هذه الإحتجاجات والتي “تسفر في كثير من الأحيان عن اعتقال وتعذيب وقتل عدد من المتظاهرين”، بحسب ما ذكرته فوديرل شميد في مقالتها. كان جعفر فرح، مؤسس معهد الدّفاع عن حقوق عرب إسرائيل، هو من تحدّثت معه فوديرل شميد عن ردود أفعال عرب إسرائيل على القانون الجديد. فقد تقدّم فرح، الذي اعتقل في آخر مظاهرات بمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيس دولة إسرائيل وتمّ ضربه إلى درجة لا يستطيع فيها إلى الآن تحريك ساقه اليمنى بشكل طبيعي، الإحتجاجات، وتحدّث للصّحفيّة أيضا عن “مقتل أكثر من 46 من عرب إسرائيل منذ عام ألفين في احتجاجات مشابهة”. بشكل عام، يُحمّل فرح “المستوطنين والمستوطنات مسؤولية المواجهات بين العرب واليهود في إسرائيل والصّراعات المُشابهة لتلك التي تحدث الآن بسبب القانون الجديد، وتغيير القوانين بهذا الشّكل العنصريّ”، على حد قوله.   

أما الرّأي الآخر الذي نقلته الصّحيفة عن الموضوع فهو لأحد المثليّين القلائل في البرلمان الإسرائيلي أمير أوهانا، الذي يرى أنّه “منذ تأسيس إسرائيل كان الهدف هو إقامة دولة يهوديّة، وأنّ ما يحدث الآن هي كذبة كبيرة حيث لن يتغيّر شيء بسبب هذا القانون بالنّسبة للأقلّيّات في إسرائيل”. ومن المُمكن اختصار رأي أوهانا بما أوردت الصّحيفة على لسانه حيث قال: “هذه أرضنا، هم يُريدون دولة أخرى، دولة فلسطينيّة”، وأضاف: “منذ البداية كان الأمر في غاية الوضوح.. اليهود فقط يُمكنهم المجيء إلى هنا، فنحن دولة يهوديّة”.    

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية