مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سقط الحكام، فهل تتجدّد الأنظمة؟

سودانيون يتظاهرون في شوارع الخرطوم
مجموعة من المتظاهرين يحتشدون بالقرب من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم يوم 15 أبريل 2019 Keystone / Salih Basheer

حفلت الصحف السويسرية الصادرة باللغتيْن الألمانية والفرنسية  خلال الأسبوع المنقضي بالكثير من المقالات التحليلية ووجهات النظر حول التطوّرات المتسارعة في العديد من البلدان العربية مثل السودان، والجزائر، وليبيا، والمملكة المغربية، وكذلك مصير "تنظيم الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق بعد الهزيمة التي مُني بها على يد التحالف العربي - الكردي المدعوم من الولايات المتحدة. وفي ما يلي مختارات مما ورد في هذه الصحف.

“الديناصورات والنهاية المحتومة”

عنوان مقال افتتاحي كتبه باسكال بايرسفيل، ونشرته صحيفة “لا ليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ) يوم الجمعة 12 أبريل، يسلّط فيه الضوء على دلالات السقوط المتزامن تقريبا لرئيسيْ بلديْن إفريقيّين كبيريْن، هما الجزائر والسودان، مما يُحيي من جديد، على حدّ قوله “جذوة الربيع العربي الذي انطلق بداية 2011″، لكن ما يميّز هذه المرحلة هو “الرغبة الجامحة في إنجاح التغيير، ولكن بشكل أكثر تنظيما وهدوءًا”.

ويتوقّف صاحب التحليل عند أوجه الشبه العديدة بين مصير كل من عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر وعمر البشير في السودان “خلال عقديْن أو ثلاثة هيمن الإثنان على السلطة واضطهدا شعبيْهما، وعملا على تقسيمهما، واستعانا في ذلك بالمؤسسة العسكرية. لكن ما عاناه السودانيون في ظل حكم البشير لا مثيل له (حرب أهلية، ومجاعة في دارفور، وانفصال في الجنوب،..)”. وهو ما جعل من البشير منذ عام 2009، “أوّل رئيس في العالم لا يزال في سدّة الحكم ومطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم الإبادة وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية”.

لكن أوجه الشبه بين الحالتيْن، وفق هذا المحلل لا تتوقّف عند هذا الحد، ومن ذلك “تسارع الأحداث التي أدت إلى سقوط الطاغيتيْن، وقوة الإصرار التي تميّز المحتجين في عام 2019، وتحقيقهم نصرا -ولو مرحليا- بسرعة قياسية، لكنه يظل نصرا هشا، لأن المطالبة باجتثاث النظام تصطدم برغبة العسكريين الذين يُمسكون الآن بزمام الأمور في الحالتيْن في استدامة الأوضاع على حالها”، كما يقول صاحب المقال. 

سقط البشير عندما انقشع الخوف

في تغطية إخبارية لما يجري في السودان منذ أربعة أشهر تقريبا، نشرت صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان) يوم 9 أبريل مقالا منحت فيه الكلمة لعدد من المعارضين لنظام البشير في السودان، والذين لم يكن لهم من حلم سوى “سقوط نظام الخرطوم”.

في هذا المقال، يؤكد محمد أبو شواك، وهو صحفي سابق ولاجئ سياسي في سويسرا حاليا أن “التغيير الحقيقي بدأ في 6 أبريل الجاري. عندما أصبح السودانيون لا يرهبون نظام البشير. وبدأ، الجميع، كبارا وصغارا، نساءً ورجالا، يشاركون في المظاهرات”، التي لم تتوقّف بسقوط رأس النظام بالمناسبة.

المقال يذكّر بأن هذه المظاهرات “انطلقت في 19 ديسمبر 2018، بعد أن أقدمت الحكومة على مضاعفة ثمن الخبز ثلاث مرات”. وتشير الصحيفة إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من الركود الإقتصادي وارتفاع معدلات التضخّم إلى قرابة 70%، وبعد أن فقد الشمال بعد انفصال الجنوب ثلاث أرباع ثرواته النفطية، فلم يبق من خيار سوى “رفع الأسعار بالنسبة لنظام البشير الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ عام 1989”.

وبلغت آخر حصيلة للمظاهرات التي لم تنقطع منذ شهر ديسمبر الماضي، 55 قتيلا، و2500 معتقل (أطلق سراح الجميع يوم الخميس 11 أبريل الجاري، وأخذ مكانهم عدد من المقربين من نظام البشير).

صحيفة “لوتون” رأت منذ البداية أن قرار المؤسسة العسكرية بالحفاظ على دعمها التقليدي للنظام، أو الجنوح إلى صفوف الشعب “هو المحدد لتوازن القوى” بين الشارع والقصر. وهو ما حصل بالفعل حيث حسمت المؤسسة العسكرية أمرها وأعلنت الخميس 11 أبريل تنحية البشير و”العمل على اجتثاث نظامه”، وفق البيان الأوّل الذي قرأه وزير الدفاع السوداني.

وبالنسبة للمعارض محمد أبو شواك: “ولاء الضباط الكبار يظل لنظام البشير أما بقية الضباط والجنود، فهم في صفوف الشعب”. وفي الخارج “نشطت الجالية السودانية لدعم الحراك الشعبي في الداخل من خلال القيام بتحركات إعلامية وتقديم الدعم اللوجستيكي”. ويحدو الامل الجميع في أن تؤدي التحركات في الداخل إلى اسقاط النظام بالكامل، لأن هذا هو شعار هذه المرحلة في السودان.

“يسقط الحكام القدامى وتبقى الأنظمة”

بعد عرضها لأحدث التطورات في الجزائر والسودان في صفحة الآراء بصحيفة “نويه تسرخر تسايتونغ” في عددها الصادر يوم الجمعة 12 أبريل الجاري، ترجع الصحفية يوديت كورمان أسباب إصرار الناس في السودان على الخروج إلى الشوارع رجالاً ونساء إلى “الحالة الاقتصادية المزرية في البلاد، وإلى الغضب الشديد من النّظام الحاكم المضطهد والفاسد”، وترى أن السبب الأساسي لتردي هذه الأوضاع هو انفصال شمال السودان عن جنوبه.

أما في الجزائر ترى كورمان أنّ غضب الناس وخروجهم إلى الشوارع بعد ترشّح بوتفليقة إلى عهدة خامسة، سببه الأساسي في الحقيقة “معارضتهم للنّظام السياسي بشكل عام الذي يتسم، بحسب رأي الصحفية “بالزبونية وبمشاركة سياسيين وأصحاب أعمال وعسكريين، هدفهم الحفاظ على مصالحهم واستمراريتهم في السلطة”. بالإضافة إلى ذلك هناك الوضع الاقتصادي السيء، وإن كان أفضل بكثير من  الوضع في السودان، إلّا أنّ ثلث الشباب في الجزائر أيضاً عاطلين عن العمل، ويرى هؤلاء أنه “لا بدّ من تغيير السلطة السياسية في البلاد، من أجل التصدي للتّحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة هناك”.

ترى كورمان أنّ “رحيل رؤوس السلطة غير كافي” فالذين نزلوا إلى الشوارع كانوا يريدون تغيير النظام الحاكم بأكمله، وهذا ما لم يحدث بعد، ففي الجزائر استلم عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة السابق منصب الرئاسة بشكل مؤقت، وهذا ما ينص عليه الدستور، “ولكنه نفسه نتاج لنفس النّظام السياسي الذي يطالب المتظاهرون برحيله”، وهذا ما أكّدوه من خلال استمرارهم في الإحتجاج والتظاهر. ولا يختلف الوضع في السودان كثيراً حيث يريد الجيش هناك البقاء في السلطة لمدة سنتين، وحمّل وزير الدفاع أحمد عوض بن عوف نظام البشير وحده مسؤولية الوضع الاقتصادي الفاشل على الرغم من أنه هو نفسه كان جزءً من هذا النظام”.

وتحذّر الصحفية كورمان من خطر “إعادة عناصر الأنظمة الحاكمة القديمة في الجزائر والسودان ترتيب أمورها بشكل يسمح لها بالإستمرار في السلطة”. فالمؤسسات في البلدين ضعيفة ومن يشغل قمة السلطة هي نخب متضامنة من أجل حماية مصالحها. “لا يجب الاستهانة بما توصّل إليه المتظاهرون في البلدين إلى حد الآن، ومع ذلك لا تزال التحديات كبيرة جدا أمام هؤلاء”.

تنافس فرنسي – إيطالي

نشرت صحيفة “لوتون” 10 أبريل تحليلا عن تحرّك قوات الجنرال خليفة حفتر لبسط نفوذها على العاصمة الليبية طرابلس وكيف أدى ذلك إلى تفجّر أزمة وتوتّر في العلاقات بين إيطاليا وفرنسا، اللتيْن يتبادلان الاتهامات، حيث اتهمت إيطاليا جارتها الأوروبية “بالتدخّل في الشأن الليبي مدفوعة برغبة جشعة في تحقيق مصالحها”.

يشير الكاتب على أنه ومنذ نهاية الأسبوع الماضي “لم تتوقّف روما عن انتقاد السياسة التي تتبعها فرنسا في ليبيا “البلد الذي تربطه علاقات خاصة مع إيطاليا”، على حد عبارة ماتيو سالفيني، وزير الداخلية والرجل القوي على الساحة الإيطالية. سالفيني يتهم فرنسا “بالدفع نحو حسم عسكري للخلاف داخل ليبيا مدفوعة بأطماعها الاقتصادية ومصالحها التجارية”. في المقابل، يشير كاتب المقال إلى “الإشادة المبالغ فيها من الدبلوماسية الإيطالية بالسيد السراج”، الذي يُقال إنه يحظى باعتراف دولي. وهذا الأخير يشتكي بدوره من السلوك الفرنسي في ليبيا.

هذا التوتّر الفرنسي- الإيطالي، يأتي على خلفية تحركّ قوات حفتر التي باتت على أبواب مدينة طرابلس، بعد أن بسطت نفوذها في الأشهر الماضية في مناطق شاسعة بشرق البلاد وجنوبها، وهيمنت على الكثير من آبار النفط، مستفيدة من دعم دبلوماسي وعسكري كبيريْن من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وأيضا فرنسا وروسيا. حفتر بإقدامه على مهاجمة طرابلس، معقل حكومة السراج المعترف بها دوليا “يريد أن يفرض نفسه كقوة عسكرية بلا منافس”. ولقد استفاد حفتر من تقديم نفسه بوصفه “جدار الصد ضد الإسلاميين والإرهابيين في ليبيا”، ولهذا هو يحظى بدعم دولي واسع على الرغم من ماضية كضابط مقرّب من القذافي، وعلى الرغم من مخاطر تحوّله إلى مستبد”.

الكاتب يشير إلى أن الموقف الفرنسي من خليفة حفتر ليس سرّا، فجون إيف لودريان، وزيرة الخارجية الفرنسي “اعتبر الجنرال على الدوام جزءً من الحل، من أجل توحيد السلطة في ليبيا. وضمن هذا التوجّه، اتخذت الدبلوماسية الفرنسية العديد من المبادرات تجاه ليبيا، من دون إشراك إيطاليا في ذلك”.

لكن هل إيطاليا فعلا في قطيعة مع هذا الجنرال الطموح؟ المقال يشير إلى أن إيطاليا كان لها أيضا علاقات مع حفتر في مسعى منها لإيقاف الهجرة غير القانونية، ولم تغفر للحلف الأطلس ولفرنسا التي قادت الحملة ضد معمّر القذافي الذي كان من أقوى شركاء إيطاليا في صد الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط”. ولكن إيطاليا اليوم، تقول “إنها تدعم الاستقرار في ليبيا وتدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا”.

وخلف هذا “الصدام الدبلوماسي” بين باريس وروما، تتخفّى مصالح اقتصادية كبرى خاصة على علاقة بقطاع النفط، وبالتنافس الحاد بين شركي “توتال” الفرنسية، وشركة ENI الإيطالية.

نهاية تنظيم الدولة .. حتى لا يعيد التاريخ نفسه

تحت هذا العنوان نشرت صحيفة “لوتون” في عددها ليوم الإثنيْن 8 أبريل مقالا في شكل وجهة نظر لمؤلفه بانان إلياسي، الأستاذ بجامعة جنيف، والمتخصص في “النزعة الإسلاموية في إيران”. يبدأ الخبير مقاله بالتذكير بأنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها “نهاية التيارات الإسلامية الراديكالية” على غرار القاعدة في بداية التسعينات من القرن الماضي، وحركة طالبان لاحقا، قبل أن يعيش العالم على وقع مآسي الهجمات الدموية التي شنها تنظيم الدولة في العديد من العواصم والمدن الكبرى في العالم.

نفس الأمر يقال أيضا على نزعات التفاؤل التي سادت العديد من الدوائر بعد تصفية أسامة بن لادن، ومن قبله اغتيال السيد قطب، وقد يلحق بهم في وقت غير بعيد أبو بكر البغدادي، إن لم يلق عليه القبض. واليوم تعود النزعة التفاؤلية بعد الهزيمة التي ألحقها التحالف العربي الكردي الأمريكي بتنظيم الدولة في سوريا. فهل سيؤدّي ذلك حقا إلى نهاية النزعات الراديكالية الإسلامية كما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها؟

لو عدنا، يقول المقال إلى البدايات، لوجدنا “أن ظهور هذا التنظيم كان نتيجة وضع التهميش الذي عاشه العرب السنّة ولا يزالون في العراق (خاصة في عهد نوري المالكي)، وسوريا على يد الطائفة العلوية التي تحكم البلاد منذ عقود”.

واليوم، ورغم الانتصار المعلن على التنظيم، استطاع عشرات الآلاف من أفراده إعادة الانتشار في كل من سوريا والعراق، وعاد البعض منهم إلى بلدانهم الأصلية، وانتقل البعض منهم إلى جبهات جديدة، ناهيك عن الآلاف منهم ومن أفراد أسرهم الذين لايزالون في الاحتجاز لدى قوات التحالف العربي الكردي. وعندما ننظر إلى المخاطر التي تتهدد القوات الكردية سواء من الجيش التركي أو الجيش السوري، نلاحظ أنه قد يأتي اليوم الذي يجد فيه هؤلاء حريتهم فينتشرون في المنطقة من جديد بمعزل عن كل رقيب. وبحسب وجهة نظر هذا الخبير “أي هجوم تركي أو سوري على القوات الكردية في شمال سوريا سوف يحوّل المنطقة إلى ميدان خصب لتطوّر ونمو الحركات الإسلامية الراديكالية من جديد”. وبالإضافة إلى هؤلاء، نجد أيضا عشرات الآلا ف من الراديكاليين في المنطق الحدودية مع تركيا، في منطقة إدلب على وجه التحديد.   

إن تردّد البلدان الأوروبية في ترحيل رعاياها من الراديكاليين الذين هم اليوم بقبضة الأكراد، وعدم تحمّسهم لتأسيس محكمة دولية على عين المكان لمحاكمة هؤلاء، وجمع الشهائد والأدلة حول ما ارتكبوه، يقول الكاتب “من شأنه أن يسمح لهم بالإفلات من العقاب مرة أخرى. عندها سيعيد التاريخ نفسه. ومثلما تحدثنا من قبل عن مخاطر عودة الراديكاليين من أفغانستان، سوف نبدأ الحديث عن مخاطر عودة الراديكاليين من سوريا”.

هل ينجح الجزائريون فيما فشل فيه آخرون؟

أفردت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” صفحة للروائي والصحفي الجزائري كمال داوود للإجابة على سؤال يتصدر المشهد الجزائري في اللحظة الراهنة: هل ستنجح الجزائر في تفادي الانزلاقات وتجنب الأخطاء الفادحة التي آل إليها الربيع العربي في دول أخرى؟

يجيب كمال داوود على هذا السؤال بالقول إن “الربيع الجزائري سينتهي بالزهور. استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم تنجح في تهدئة غضب شباب الجزائرـ الذي سئم النظام بأكمله. النظام يعني الرئيس والطبقة المحيطة به من رجال الأعمال والشرطة وأجهزة المخابرات والجيش وبعض الأحزاب والنقابات التي تخدم القصر الرئاسي “.

وأوضح الكاتب في مقاله بتاريخ 10 إبريل أن الصراع الدائر حاليا هو بين نظام شائخ حوّل حقبة ما بعد الاستعمار إلى مصدر منفعة، وجيل لاحق لا يعترف بهذه الشرعية “التاريخية”.

المتظاهرون شباب يمثلون الآن غالبية السّكان، ولم يشهدوا حرب التحرير أو حرب التسعينيات بين الحكومة والإسلاميين… النهايات المأساوية للربيع العربي في بلدان أخرى والصدمة الشخصية للحرب الأهلية الوحشية أخرت التغيير في الجزائر. واستخدم النظام هذه “الذكريات” على نطاق واسع لوأد أي فكرة عن التغيير وعندما بدأت المظاهرات حذر رئيس الوزراء. “في سوريا، بدأت بالورود وانتهت بالدم”.

لكن هذه الحجج لم تعد تخيف الجيل الجديد بل على العكس، فمن هذا التاريخ يستخلص دروسًا لتنظيم حركة المقاومة.

الشباب الجزائري في غاية الحرص على تجنب كمائن الربيع العربي، وعدم إعطاء النظام أي ذريعة للجوء إلى الانتقام باسم الحفاظ على النظام. صدمة سوريا وليبيا، التي استخدمها الحكام لفترة طويلة، ترتد عليهم وتصبح حجة للسلام. رد المتظاهرين على تحذير رئيس الوزراء كان بالهتافات: “لقد بدأت بالورود وستنتهي بالورود”.

“بعد الحماس لابد من التفاوض”

صحيفة “24 ساعة”، وتحت عنوان “تحت تأثير النشوة والحماس، ينسى الجزائريون أنه سيكون من الضروري التفاوض عن مخرج”، كتب أندرياس ألمان، نقلا عن حوار أجراه الصحفي السويسري مع خبير الشؤون العربية المقيم بجنيف حسني عبيدي حول تطوّرات الشأن الجزائري مباشرة عقب تنصيب عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في ما يبدو التزام حرفي بما ينص عليه الدستور الجزائري.

 المشكلة أن الحراك الشعبي الذي تغص به شوارع وأزقة المدن الجزائرية منذ سبعة أسابيع ينظر بعين الريبة إلى هذه الخطوة ويعتبرها في أدنى الحالات “عملية استفزازية” وفق تعبير حسني عبيدي. ومن موقف شاهد العيان الذي كان في قلب الحراك الشعبي الجزائري في الأيام الماضية، يجيب الخبير السويسري الجزائري عن أسئلة الصحيفة، وأوّل هذه الأسئلة، هل تتجه الأحداث إلى الصدام في الجزائر، فيرد: “من السابق لأوانه قول ذلك، ولكن ما لاحظناه أن قوات الشرطة بدأت تستعرض قوتها أمام المتظاهرين، في ما يبدو شكل من التخويف والحرب النفسية”.  

وحول إمكانية خروج الحركة الاحتجاجية عن طابعها السلمي، يجيب الخبير: “ما رأيناه حتى الآن مثير للإعجاب، بشرط أن يتواصل، لكن كل شيء غير مستبعد”. وعندما سئل حسني عبيدي، إن كان متفائلا أو متشائما بالنسبة لتطوّرات الأحداث في الجزائر، لم يفضّل الجواب بنعم أم لا، بل قدّم وجهة نظر مفادها أن “ما يعيشه الشارع الجزائري حاليا هو حالة من التعبئة العامة ومن النشوة والحماس، تمنح المواطنين إحساسا بأنهم أحرار لأوّل مرة، وحالة من الثقة جعلتهم يتوحّدون حتى الآن حول شعار “رحيل النظام بكل رموزه”، لكن التمسّك بهذا الشعار، بحسب حسني عبيدي “لا يكفي لصياغة مشروع للمستقبل. ومن الضروري التسريع في إفراز وجوه من داخل الحراك الشعبي قادرة على صياغة مشروع سياسي، والتفاوض حول عملية انتقالية مع قادة الجيش. لقد استفادت هذه القيادة حتى الآن من غياب محاور. ولذلك هم يقدمون أنفسهم للخارج كضمانة للإستقرار”. 

وبعد تأكيده على أنه لا مخرج من الأزمة إلا بالحوار، ختم بالتأكيد على أن “فوز الإسلاميين في انتخابات مرتقبة ليس مثار مخاوف في الجزائر، فليسوا هم من يقود الحراك الشعبي حاليا، ولكن يمكن أن يستفيدوا من أي انتخابات حرّة مستقبلية. وتثبت التجارب في جميع بلدان الربيع العربي أن الإسلاميين لم يقدروا على البقاء في السلطة، وهم واعون بهذا لذلك هم يكررون القول بأنهم لا يريدون الإستفراد بالحكم”.

الحسيمة ..القلب النابض للحراك المغربي والشوكة في حلق النظام 

صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” نشرت تقريرا مطولا من قلب مدينة الحسيمة المغربية، بعد أن عادت هذه المدينة الريفية الصغيرة لتتصدر عناوين الأخبار إثر تأكيد حكم يقضي بسجن زعيم “حراك الريف” ناصر الزفزافي 20 عاما، ليقوم بعدها الزفزافي بخياطة شفتيه تعبيرا عن حقه في الحرية واحتجاجا على “ظروف اعتقاله”.

سوزان كايزر مراسلة الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ تمكنت من الدخول للمدينة والتحدّث مع ساكنيها وأفادت بأن مداخل المدينة مدججة بحواجز الشرطة والشوارع تشهد انتشارا لقوات الجيش والأمن، ما يعطي انطباعا بأن المدينة تواجه خطراً ما وأن كل شيء تحت سيطرة السلطات.

واستدركت المراسلة في تقريرها بتاريخ 7 إبريل أن هذا الوجود الأمني المكثف يتناقض مع الانطباع الثاني، الذي يمنحه سكان المدينة، حيث تبدو حركة الشوارع هادئة.. إذ تسير النساء للتسوق، فيما  يجلس الرجال في المقاهي ويدخنون، يتناقشون أو يشاهدون كرة القدم .

وتتساءل المراسلة “لماذا تحتاج قوات الأمن إلى معسكر للجيش في وسط هذه المدينة، التي تسير فيها الحياة اليومية بشكل هادئ؟ ما الذي تخشاه الحكومة المغربية لدرجة أنها حاصرت هذه المدينة لأكثر من عامين؟ فقد مر وقت طويل على الاحتجاجات التي اندلعت إثر مصرع شاب تاجر سمك، في شاحنة للنفايات، بعد أن دخلها لاسترداد بضاعته المحجوز عليها.

وتشير المراسلة إلى أن حملة الاعتقالات والممارسات التعسفية طالت الكثير من شباب الحسيمة وروى شاب يبلغ من العمر 21 عامًا قصته وقال “إنه سُجن لمدة أربعة عشر شهراً، حيث اُستخدمت رسائل على وسائل التواصل واتساب وفيسبوك الخاصة به كدليل لإدانته وتعرض للتعذيب أيضًا، لكن تم إطلاق سراحه في اليوم الأخير من شهر رمضان بعد صدور عفو ملكي. تم إطلاق سراحه مع عشرة سجناء سياسيين آخرين من الحراك. ولكن منذ ذلك الحين، تعرض لإجراءات تعسفية في كل مكان وتم وضع حجر عثرة في كل زاوية في طريقه”.  يصف الطالب حياته بعد الاحتجاز “تم تدميري، عدت إلى الجامعة، لكن لم يُسمح لي باجتياز الاختبارات. إن أصحاب السلطة لا يريدوننا أن نتعلم أو نعمل». ويقول إنه يتلقى رسائل مجهولة المصدر فيها تهديدات لحياته وعائلته. ولهذا السبب يريد فقط المغادرة، “إلى أوروبا، مثل كل الشباب هنا”، كما يقول.

وقال أحد أقارب المعتقلين: “إن السلطات تحمل ضغينة عميقة ضد منطقتنا بسبب تاريخها في المقاومة المسلحة”، بهذه الجملة يلخص الأب أحمد في جملة واحدة تاريخ المغرب ويروي كيف أن الأمازيغ، الذين يطلق عليهم العرب “البربر” ، استقلوا عن المغرب الإسباني في جمهورية الريف عام 1920 لمدة ست سنوات قبل إخضاعهم مرة أخرى. منذ ذلك الحين، تم قمع ثقافتهم ولغتهم لأن “الدولة المغربية تخشى تطلعات جديدة نحو الاستقلال. فقط الملك الحالي محمد السادس حاول التوفيق دمج منطقة الريف الأمازيغي بشكل أفضل في المملكة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية